রহমান ও শয়তান
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
জনগুলি
وبما أنه يصعب على المرء تجنب الاحتكاك بمصادر النجاسة تجنبا مطلقا، فقد وضع فقهاء الشريعة أصولا معينة للتطهير بما يتناسب مع درجة التلوث، وغالبا ما يوصى المتنجس بالاغتسال بالماء من رأسه إلى أخمص قدميه، غير أن بعض درجات التلوث تستدعي الاستعانة بالكاهن الذي يقوم بتلاوة الآيات المقدسة، ويسير بالمتنجس عبر مراحل تطهيرية متعددة قد تستمر بضعة أيام، وتشغل هذه الإجراءات التطهيرية وكيفية تطبيقها حيزا من برامج إعداد وتدريب الكهنة الذين يتوجب عليهم أنفسهم مراعاة أدق وأصعب قواعد النظافة والطهارة. (3-6) التطور التاريخي
بعد وفاة زرادشت بقيت تعاليمه الأصلية التي بثها في أناشيد الغاثا، بمثابة الإنجيل الذي يحفظ جوهر الدين ويجمع المؤمنين حول العقيدة والأخلاقيات والشعائر الزرادشتية. ونستدل من لهجة الغاثا المغرقة في القدم، أنها قد حفظت في شكلها الأصلي، دون أن يمسها تعديل جوهري عبر التداول الشفهي الطويل الذي سبق عصر التدوين، ولكن الشكل الأدبي الرفيع الذي صيغت به الأناشيد وأسلوبها المختصر البليغ، قد دعا الكهنة إلى التوسط من أجل شرحها وبسط وتطوير أفكارها للناس العاديين، وقد تراكمت هذه الشروحات تدريجيا حتى شكلت مصدرا آخر من مصادر الدين الزرادشتي، وبذلك ولدت مجموعة الأفيستا والأفيستا الصغرى، اللتين اتخذتا شكلهما شبه التام نحو نهايات الفترة الأخمينية، ثم تطلبت الأفيستا بدورها الشرح والتفسير، فنشأ على هامشها كتاب الزند، أو الزند أفيستا (أي شروحات وتعليقات على الأفيستا). لم تدون هذه الأدبيات الدينية خلال الفترة الأخمينية بسبب عزوف الكهنة عن استخدام الكتابة لحفظ النصوص المقدسة، لأنهم رأوا في الكتابة شأنا دنيويا واعتبروها تدنيسا للنص، ولكن الأفيستا صارت مهددة بالضياع عقب غزو الإسكندر المقدوني وما تلاه من فترة النفوذ السلوقية، فأمر الملك البارثي فلاكش (حوالي عام 60ق.م.) بجمع أسفارها من شتى المناطق ومقارنتها من أجل تثبيتها كتابة في صيغتها النهائية المعتمدة، غير أن هذه المهمة لم تنجز كاملة إلا في عصر الملك الساساني كسرى أنو شروان، عندما تم تدوين الأفيستا في واحد وعشرين جزءا يتصدرها الجزء الخاص بأناشيد الغاثا.
ولقد لعب كهنة الماجي، أو المجوس، دورا مهما في تحرير وتطوير الأفيستا، وهؤلاء المجوس ينتمون إلى قبيلة ماجي، وهي قبيلة متخصصة في الشئون الدينية، يغلب أنها من أصول ميدية، ويرجح بعض الباحثين أن المجوس كانوا على الديانة الإيرانية التقليدية ثم تحولوا إلى الزرادشتية حتى لا يخسروا مكانتهم الاجتماعية، وبثوا فيها الكثير من معتقداتهم وأفكارهم وطقوسهم القديمة، لهذا السبب عرفوا في العالم القديم في استقلال عن الدين الزرادشتي باعتبارهم حكماء متضلعين بالسحر والتنجيم والمعارف السرانية. لقد أدخل المجوس العديد من آلهة الديانة الهندو-إيرانية القديمة إلى المعتقد الزرادشتي، كما تبنوا بعضا من آلهة البانثيون الرافدي، وعلى رأسها عشتار، التي اتخذت في إيران اسم أناهيتا أي البتول، وأخذت عبادة أناهيتا بالانتشار منذ عهد الملك الأخميني أردشير الثاني، الذي كان أول من بنى المعابد وصنع صورا للكائنات القدسية. كما وسع المجوس مفهوم زرادشت عن قوى النور وقوى الظلام وبنوا حوله لاهوتا متكاملا عن مجمع الملائكة ومجمع الشياطين، فصارت الملائكة التي تعمل تحت إمرة الأميشا سبينتا تعد بالآلاف، وكذلك الشياطين التي تعمل تحت إمرة أنجرا ماينو، وتحول الأميشا سبينتا من قوى مجردة غير مشخصة إلى كائنات إلهية لكل منها وظيفة محددة في نظام الكون والطبيعة، وصارت فروض العبادة والتقديس تقدم إليها بما هي كذلك. ومن أهم التحريفات التي أدخلها المجوس على العقيدة الزرادشتية، أنهم جعلوا أنجرا ماينو على قدم المساواة مع أهورا مزدا، ونظروا إليهما كخصمين متصارعين منذ البداية. وبذلك تحول أهورا مزدا من إله يسمو فوق الروحين المتنافسين اللذين صدرا عنه، إلى طرف مباشر في الثنوية الكونية.
وفي عقيدة الزورفانية، التي طورها فريق من المجوس، صار أهورا مزدا وأنجرا ماينو، الذي اتخذ اسم أهريمان، ابنين توءمين للإله زورفان وهو الزمان. وقد عهد زورفان إلى أهورا مزدا بمهمة خلق العالم ليغدو مسرحا للصراع المكشوف بين قوى الخير وقوى الشر، وحدد لصراعهما فترة محددة تنتهي بغلبة أهورا مزدا على خصمه أهريمان. وبقي زورفان بمثابة العلة الأولى والإطار الذي تجري ضمنه أحداث الكون. وقد انتقلت هذه العقيدة من هرطقة تعيش على هامش زرادشتية الأفيستا إلى دين رسمي للدولة في عهد الساسانيين الذين حولوا الزرادشتية من ديانة عالمية تتوجه لجميع بني البشر، إلى ديانة قومية خاصة بإيران، وهذا ما أضعف موقف الزرادشتية تجاه الديانات العالمية اللاحقة وخصوصا المانوية ثم المسيحية فالإسلام. (3-7) خلاصة: ميراث الزرادشتية
رغم امتلاك الزرادشتية لكل مقومات الديانة الشمولية العالمية، إلا أنها لم تمارس نشاطا تبشيريا خارج إيران بعد موت معلمها، ورغم ذلك فقد انتشرت الأفكار الزرادشتية شرقا وغربا ودخلت في نسيج الديانات اللاحقة لها، حتى وصلت تأثيراتها إلى بوذية المهايانا في الصين. أما تأثيراتها المشرقية فتعزى بالدرجة الأولى إلى عودة المهجرين اليهود الذي سباهم ملوك آشور وكلدان. فلقد طالت سياسة التهجير كل المناطق الواقعة تحت سيطرة آشور من إيران والخليج العربي صعودا إلى جبال طوروس فهبوطا نحو الساحل الفينيقي وصولا إلى حدود مصر . وقد وصلنا حتى الآن 150 نصا آشوريا تذكر عمليات ترحيل واسعة النطاق، والشعوب التي طالتها هذه العمليات، والمناطق التي تم تهجيرها إليها، ومنها نعرف أن الجزء الأكبر من عمليات الترحيل كان باتجاه مناطق آشور الرئيسية في مدن العاصمة آشور وكالح ونينوى ودور شاروكين. وعندما دمر الكلدانيون آشور تابعوا سياسة السبي والتهجير ولكن على نطاق أقل بكثير، ثم ورث الفرس الأخمينيون الإمبراطورية الكلدانية، وأعلن الملك قورش من بابل بيانه المشهور الذي يتضمن السماح للشعوب المسبية بالعودة إلى مواطنها وبينها سبي يهوذا، ولكن هذه العودة لم تتم بين ليلة وضحاها بل استغرقت أكثر من قرن من الزمان، وهي فترة كافية لاحتكاك المسبيين بالفرس عن قرب والتأثر بأفكارهم الدينية.
قدمت الزرادشتية عددا من الأفكار الجديدة على تاريخ الدين، بعضها ما زال فاعلا ومؤثرا في الحياة الروحية لمليارات البشر في شتى أنحاء المعمورة، وأهمها: (1)
التاريخ الدينامي:
حيث يسعى الزمن بين بداية محددة هي زمن الخلق والتكوين، ونهاية محددة يعقبها تحويل كامل للوجود بأسره إلى مستوى ماجد وجليل يليق بخلق الله. ففي مقابل مفهوم التاريخ المفتوح للديانات الشرق أوسطية، والتاريخ الدائري المغلق للديانات الهندية والشرق أقصوية، قدم زرادشت مفهوما عن تاريخ ذي معنى يسعى أبدأ نحو غاية مثلى يحققها الكون والطبيعة والمجتمع الإنساني من خلال عملية تطوير وتطهير دائبة ومتصاعدة. (2)
الطبيعة الأخلاقية للوجود:
فالإله الأعلى إله أخلاقي، والعلاقة بين الله والإنسان علاقة أخلاقية بالدرجة الأولى، أما الطقوس والعبادات فليست وسيلة لإظهار الخضوع للخالق، بل هي تنقية للنفس من شوائب الشر وتقويتها على قاومته، ثم إن الأخلاق تتجاوز علاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بأخيه، لتغدو مبدأ مزروعا في صميم الخليقة بأكملها، فالكون ذو معنى أخلاقي وصيرورة الوجود قد اكتسبت طابعا أخلاقيا منذ البداية. (3)
অজানা পৃষ্ঠা