রহমান ও শয়তান
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
জনগুলি
ميلاد الشيطان
زرادشت: نبي التوحيد نبي الثنوية (1) مقدمة تاريخية
منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، أخذت الشعوب المعروفة تاريخيا باسم الشعوب الهندو-آرية بالانسياح من مواطنها الأصلية في السهوب الأوراسية، نحو آسيا الصغرى وأوروبا والهند وإيران، وقد وصلت طلائع الهندو-آريين إلى الهضبة الإيرانية خلال أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، ثم أخذت بالاستقرار تدريجيا في ثلاث مناطق رئيسية، حسب عشائرها، وهي منطقة ميديا ومنطقة فارس ومنطقة بارثيا. في مطلع الألف الأول قبل الميلاد حكمت ميديا سلالة ملكية بدأت بتوحيد الممالك الإيرانية الصغيرة منذ القرن الثامن ق.م. ثم أفلحت في بسط سلطتها على كامل إيران عقب تحالفها مع بابل وتدميرهما آشور خلال عامي 614-612ق.م. دام سلطان الميديين قرابة قرن من الزمان، إلى أن قام قورش ملك فارس بالتمرد على حميه ملك ميديا عام 549ق.م. وأخضع ميديا وبقية المناطق الإيرانية، وأسس لحكم أسرة قوية عرفت باسم الأسرة الأخمينية. بعد أن استتبت له الأمور في إيران، أخذ قورش بالضغط على الحدود الشرقية للإمبراطورية البابلية، إلى أن سقطت بابل العاصمة في يده عام 539ق.م. وانفتحت أمامه بوابة آسيا الغربية، فتابع مسيرته غربا حتى استولى على مناطق النفوذ البابلية في بلاد الشام وآسيا الصغرى جميعها، ثم أكمل ابنه قمبيز ضم مصر بعد ذلك بقليل. وبذلك ابتدأ عصر جديد في منطقة الشرق القديم هو عصر الإمبراطورية الفارسية، التي حكمت أصقاعا مترامية تمتد من البنجاب في الهند شرقا إلى حدود اليونان القارية وحدود الصحراء الغربية في مصر غربا. دامت هذه الإمبراطورية قرابة قرنين من الزمان، إلى أن انتهت على يد الإسكندر المقدوني عام 331ق.م.
في عام 280ق.م. قامت في مملكة بارثيا ثورة على حكم السلوقيين السوريين من خلفاء الإسكندر، بقيادة الزعيم أرشق الذي حرر بارثيا أولا ثم بقية المناطق الإيرانية، وأسس لحكم أول أسرة بارثية. بعد وفاة أرشق قام خلفاؤه بمتابعة الضغط على القوات السلوقية، حتى دفعوا بها إلى ما وراء نهر الدجلة. وفي عهد الملك ميتراديس الأول وخليفته ميتراديس الثاني، تم إجلاء السلوقيين إلى ما وراء نهر الفرات، وامتدت الإمبراطورية البارثية من حدود الهند شرقا إلى الفرات غربا. امتد العمر بهذه الإمبراطورية أمدا طويلا، وذلك من أواسط القرن الثاني ق.م. إلى أوائل القرن الثالث الميلادي عندما عادت السلطة مجددا إلى فارس، فقد قام حاكم منطقة فارس المدعو بابك بالثورة على البارثيين وأعلن فارس مملكة مستقلة، ثم وليه ابنه أردشير الأول الذي التقى بآخر ملوك البارثيين في معركة فاصلة وقتله عام 226 ميلادية. وأردشير الأول هو مؤسس الأسرة الساسانية التي حكمت الإمبراطورية الفارسية قرابة أربعة قرون. من أشهر ملوك الساسانيين خسرو أنوشروان، المعروف لدى العرب بكسرى أنوشروان، وقد ارتقى هذا العاهل الكبير العرش عام 531م، وحكم قرابة خمسين عاما، وبعد وفاته شهدت البلاد فترة من الاضطرابات توالى خلالها على العرش عدد من الملوك الضعفاء انتهوا بالخلع أو القتل، إلى أن ولي العرش يزدجرد الثالث عام 632م. وقد استطاع هذا العاهل القوي ضبط الأمور بيد من حديد، وسار بالبلاد نحو عهد من الطمأنينة والاستقرار، إلا أن العرب الذين ظهروا على المسرح الدولي في ذلك الوقت، ما لبثوا أن غنموا سورية عام 636م، ثم توجهوا لقتال يزدجرد في معركة القادسية الحاسمة، وبعد معركتين تاليتين شق العرب طريقهم نحو الهضبة الإيرانية، ومع حلول عام 652 كانت سيطرتهم على إيران تامة تقريبا. (2) زرادشت
يعتبر زرادشت واحدا من أهم الشخصيات الدينية التي أثرت على مجرى الحياة الروحية عبر تاريخ الحضارة، ولا تكمن أهمية هذا النبي والمعلم الأخلاقي الكبير في مدى الانتشار الجغرافي والزماني للديانة الزرادشتية التي قامت على وحيه وتعاليمه، بقدر ما تكمن في مدى تأثير أفكاره على الديانات العالمية اللاحقة.
لا يوجد بين أيدينا مصادر تاريخية مباشرة تعيننا على رسم سيرة حياة كاملة لزرادشت، ولكننا نستطيع رسم ملامح عامة لها اعتمادا على المصادر الإغريقية التي تعود إلى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وعلى المصادر الزرادشتية ذاتها، وأهمها مجموعة الأناشيد التي وضعها زرادشت نفسه والمدعوة بالغاثا، ومجموعتين من الأدبيات الزرادشتية معروفتين باسم الأفيستا والأفيستا الصغرى، وتحتويان على تعاليم زرادشت وأحاديثه الشفوية التي تم تناقلها عبر الأجيال، وعلى شروحات وتعليقات اللاهوتيين الزرادشتيين، وقد تم تدوين هاتين المجموعتين خلال الفترة الساسانية بعد قرون طويلة من التداول الشفهي.
رغم أننا نفهم من الأفيستا الصغرى أن زرادشت قد عاش وبشر برسالته قبل عصر الإسكندر بثلاثة قرون، أي فيما بين أواخر القرن السابع وأوائل القرن السادس قبل الميلاد، إلا أن الباحثين في تاريخ الزرادشتية مختلفون في تاريخ ميلاد المعلم، فبينما يرجع به فريق من الباحثين إلى أواسط الألف الثاني قبل الميلاد استنادا إلى التحليل الفيولوجي للهجة أناشيد الغاثا التي تشف عن بنى لغوية مغرقة في القدم، فإن فريقا ثانيا يقبل بالمعلومة الأفيستية ويضع ميلاده في أوائل القرن السادس قبل الميلاد، ويطابق بين اسم الملك فيشتاسبا الذي يتكرر في أناشيد الغاثا واسم والد الملك قورش المدعو هيستابس، وهنالك فريق ثالث يضع مولد زرادشت في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وحوالي عام 900 تقريبا، وحجة هذا الفريق قدم لهجة أناشيد الغاثا من جهة، وعدم تعرضها ولو بالإشارة العابرة إلى ذكر مملكة الميديين أو الأخمينيين من جهة ثانية، يضاف إلى ذلك ما تكشف عنه الدراسة المدققة للأناشيد من وجود نظام سياسي كان سائدا خلال حياة الكاتب، يقوم على الإمارات الصغيرة التي لا تخضع لسلطة سياسية مركزية، ومثل هذا النظام لم يكن ممكنا بعد عام 900ق.م. هذا التاريخ المتوسط لميلاد نبي الزرادشتية يلقى الآن تأييد معظم الباحثين. أما عن المنطقة التي ولد فيها المعلم وعاش سنوات يفاعته إلى أن جاءه وحي النبوة، فإن الآراء تتفق على وقوعها في المناطق الشرقية المتطرفة والبعيدة عن المراكز الحضرية، والتي كانت تعيش على الرعي وتربية الماشية.
عندما ولد زرادشت، على ما تقصه الأدبيات الزرادشتية اللاحقة، احتفلت كل مظاهر الطبيعة، وحدثت سلسلة من المعجزات التي رافقت ذلك الحدث المهم في تاريخ الكون وتاريخ الإنسانية. أما الشيطان فقد هرب واختفى من وجه الأرض، ثم ما لبث أن أرسل زبانيته لإهلاك الرضيع، فلما اقتربوا منه تكلم في المهد ونطق صلاة للرب طردت الشياطين، وعندما شب عن الطوق جاءه الشيطان لكي يجربه ووضع في يده سلطان الأرض كلها مقابل تخليه عن مهمته القادمة، ولكن زرادشت نهره وأبعده عنه. هذه المواجهة بين المخلص والشيطان نجدها أيضا في الأدبيات الدينية البوذية والمسيحية. فعندما كان البوذا في جلسة التأمل الأخيرة التي قادته إلى المعرفة المطلقة، أرسل رئيس العفاريت الشريرة مارا زبانيته الذين أحاطوا بالشجرة التي يجلس تحتها المعلم، وحاولوا إخافته وبث الرعب في قلبه بكل الوسائل، ولكنه بقي هادئا مستغرقا في تأمله الباطني، ثم هبط مارا بنفسه ورماه بكل أسلحته، ولكنها تحولت إلى براعم زهور معلقة حول رأسه في الهواء، وما إن حل الصباح حتى استنارت جنبات البوذا بالعرفان واخترق بعقله وروحه جوهر الحقيقة. وفي إنجيل متى نقرأ أن إبليس أخذ يسوع إلى البرية بعد أن هبط عليه الروح القدس ليجربه، وبعد أربعين يوما: «أخذه إلى جبل عال جدا وأراه ممالك العالم ومجدها، وقال له: أعطيك هذه جميعا إن خررت وسجدت لي. حينئذ قال يسوع: اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه تعبد» (متى: 4).
انخرط زرادشت منذ يفاعته في سلك الكهنوت وصار كاهنا على دين قومه «وهو دين هندو-إيراني شبيه بدين أسفار الفيدا الهندية»، وكان ينتمي إلى فئة خاصة من الكهان تدعى زاوتار، يتميز أفرادها بسعة العلم والخبرة في الشئون الدينية، ولا يرسمون كهنة إلا بعد خضوعهم لتدريب طويل يتمرسون خلاله بشتى المعارف اللاهوتية والتقنيات الطقسية. غير أن هذا الكاهن ما لبث أن انشق عن المعتقدات التقليدية التي نشأ عليها، وأحدث انقلابا دينيا كان له أعمق الأثر في الحياة الروحية لإيران وللإنسانية على حد سواء. فعندما كان زرادشت في الثلاثين من عمره جاءه وحي النبوة من السماء يأمره بالتبشير والدعوة إلى دين الله الحق. فبينما كان الكاهن الشاب يشارك في إحدى المناسبات الطقسية، دعت الحاجة إلى بعض الماء، فتطوع زرادشت لجلبه ومضى إلى النهر القريب حيث خاض إلى ركبتيه وملأ وعاءه، وبينما هو خارج من الماء،
1
অজানা পৃষ্ঠা