قال الزجاج: "وبيانه: أن الأحقاب حدّ لعذابهم بالحميم والغساق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب" (١) .
وهذا الذي قاله الزجاج شاذ، خلاف ما عليه الأولون والآخرون، وهو خلاف ما دل عليه القرآن، فإن هذا يقتضي أنهم يبقون بعد الأحقاب فيها، ولكن لا يذوقون البرد والشارب حينئذ، وهذا باطل قطعا، ثم إذا ذاقوا البرد والشارب فهذا نعيم، فكيف يكونون معذبين فيها ذلك؟
وقال بعضهم: هذه الآية منسوخة (٢)، وقيل: "هي في أهل التوحيد" (٣) .
قال عبد الحق بن عطية في "تفسيره" (٤) .
"ومن الناس من ظن لذكر الأحقاب أن مدة العذاب تنحصر وتتم، فطلبوا التأويل لذلك، فقال مقاتل بن حيان: الحقب سبع عشرة ألف سنة وهي منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ (٥) . قال: وقد ذكرنا فساد هذا القول (٦) .
_________
(١) " زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي ٩/٨ وعزاه للزجاج.
(٢) وممن ذهب إلى ذلك مقاتل بن حيان حيث قال: وهذه الآية ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ منسوخة نسختها ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ ٢ يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل تفسير البغوي "معالم التنزيل" ٤/٤٣٨، تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/١٧٩.
(٣) وبه قال خالد بن معدان، والإمام الطبري. "تفسير الطبري" ٣٠/١٢.
(٤) تفسير ابن عطية هو المحرر الوجيز تفسير الكتاب العزيز" وقد طبع نصف الكتاب في دولة قطر، ولا يزال النصف الأخير تحت الطباعة ثم طبع كاملا في المغرب.
(٥) سورة النبأ لآية: ٣٠.
(٦) وعلل الإمام الطبري فساد هذا القول بقوله: "إنه لا معنى للنسخ لأن قوله ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ وإنما النسخ في الأمر والنهي" ٣٠/١٢.
1 / 64