فلما تباينت ذاته وذاتها، فكانت هي فعله وكان هو فاعلها؛ بانت بأحق الحقائق صفاته وصفاتها، فكان درك الأفهام والعقول لها بالتبعيض والتحديد، والانحدار منها والتصعيد، وكان درك معرفته سبحانه بأفعاله، وما أظهر من آياته، ودل به على نفسه من دلالاته، من خلق أرضه وسمواته، وما ابتدع بينهما من خلقه، فكان الدرك بالصنع والأفعال للصانع الفاعل؛ كالدرك بالعيان سواء سواء عند كل ذي فهم عاقل، فكان درك الحواس لما شاكلها وما كان مثلها في التحديد والعيان(1)، وكان دركها لما باينها فلم يشاكلها(2)، وكان على خلاف ما هي عليه من تقديرها وتصويرها متقدسا عن مشاكلتها، بما تدركه من أفعاله، وتقف عليه من آياته في أنفسها دون غيرها، ثم في غيرها من بعدها.
فلما أن وجدت العقول والحواس أجساما مثلها، مصورات في الخلق كتصويرها، وأعراضا لا تقوم إلا بغيرها؛ استدلت على الفاعل بفعله، ووقفت على معرفة الخالق بخلقه، كما يعرف كل ذي عمل بعمله، ويستدل على كل صانع بفعله، لأنك متى وقفت على جدار مبني علمت أن له فاعلا بانيا، وكذلك إذا وقفت على ثوب معمول؛ علمت أن له عاملا غير مجهول، وكذلك لو سمعت حاسة السمع(3) صوتا؛ لعلم السامع أن له مصوتا منه كان، ومن بعد خروجه من حلقه بان لسامعه، ووضح علمه لعالمه(4).
পৃষ্ঠা ২৪৯