وجعل يحك قفاه بيده ثم قبض على دابة، قصعها بين ظفري إبهامه، ثم انكفأ يريد الطوار الثاني، فقلت في نفسي: لا بد أن يكون قد صدر قانون بتوقيع أشد العقاب على من يقصع ال ... على غير هذا الطوار!
بقي الحديث في راكبي الدراجات، وأكثرهم - كما ترى - من الغلمان الحفاة، وهو - ولا ريب - حديث يطول، ولا يعود يحتمله هذا المقال بعد كل الذي مضى من الكلام، ومبلغ القول فيهم أن الغلام الحافي من هؤلاء ما كاد يحصل على «قرش تعريفه» يهيئ له استئجار دراجة ساعة أو بعض الساعة، حتى يفرض أن شوارع القاهرة وجوادها وميادينها، وحواريها، وأزقتها، ومسالكها ودروبها، قد أخليت له إخلاء كاملا، ونفض من فيها من الناس والدواب وسائر وسائل المواصلات نفضا، فإذا لم يكن هذا متيسرا فلا أقل من أن يقف كل سائر، ويتربص في مكانه كل عابر، ويجمد كل متحرك حتى يجوز هو بسلام، ما تكلف أن يدق جرسا أو يرفع بالتنبيه والإنذار صوتا!
ولقد ترى الحافي من هؤلاء راكبي الدراجات، وقد اعترضته في سبيله سيارة من نوع «البويك» أو «الاستوديو بيكر» أو «الدملر» بل «الرولز رويس»، وهي تجري في سرعة عظيمة، إلا بسط إحدى ذراعيه إلى سائقها يشير إلى بالوقوف أو بالتمهل، على الأقل حتى يجوز هو، فله حق التقدم على كل حال بها، وسنده رجله الحافية بلا نزاع ولا جدال!
وكثيرا ما يفسد هؤلاء الغلمان الأمر على السائقين، ويقعونهم في الحيرة والارتباك، لقد يفضيان أحيانا إلى الأخطار الجسام.
وبعد، فإني أعود فأرغب إلى الله - تعالى - أن يخلصنا من هذه الآفات، ويعلمنا - بفضله - كيف نحسن السعي في الطرقات، آمين.
الانتقام اللذيذ
لقد تعرف أن من أسماء الله الحسني «المنتقم»، ولكن إياك أن تظن أن انتقام الله تعالى كانتقام الخلق، أخذ بالثأر، وإرضاء للحقد، وشفاء لغلة الصدر، فلقد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل إن المراد من الانتقام بالإضافة إليه - جل مجده - هو لازمة من التأديب وبسط العقاب المستحق، وإطلاق العبرة البالغة.
والانتقام قد يكون الأناسي، وقد يكون الحيوان، وقد يكون مما يعقل ولا يحسن من سائر الأشياء، وأرجو ألا تعجل بالعجب فستعلم نبأ هذا بعد حين!
وأحب، يا سيدي القارئ أن أؤكد لك أنني بحمد الله تعالى ما انطويت قط على حقد، ولا بت قط على ضغن ولا سرتني قط مساءة إنسان ولا حيوان، فلقد وقى الله بفضله صدري من هذا الداء، ونجاني برحمته من ذلك العناء.
على أنني - ولا أكتمك - أجد في بعض الانتقام، وأعني انتقام الله تعالى لذة وطربا، نعم لقد أحس لبعض ألوان الانتقام لذة لا أكاد أحسها للفرج بعد الضيق، وللين بعد الشدة، بل لا أكاد أحسها وقد جلست في ساعة اطمئنان النفس وهدوء البال للاستماع إلى غناء حلو يلتقي ببارع النبر على عود حسان صناع.
অজানা পৃষ্ঠা