إن من تدفع الأرحام كل يوم من هذه البيئات هم أضعاف أضعاف من يستطيع الخيرون السعي إلى إنقاذهم على هذا الوجه، بحيث يرى المصلحون أن سيلهم سيظل متدفقا على المدن لا ينقطع له مدد.
والرأي الذي أرى، أن يبدأ المصلحون العاملون ببحث هذه المعضلة الخطيرة من عند أولها، لا من عند آخرها، بالنظر في رفع المستوى العقلي والصحي في تلك البيئات الوخيمة، وتقييد الزواج بالقدرة على كفالة الولد، أو السعي إلى منع تسرب الولد إلى هذه الحياة، ما دامت هذه سبيله في الحياة، على أنه يجيز ذلك أئمة الشرع الكريم ولا ضير؛ بل من الخير أن يظل هذا الإنقاذ قائما حتى يكتب لجسم الأمة البرء والشفاء، من هذه العلل والأدواء.
في الإجراءات
في آخر تقرير أصدره اللورد كرومر، المعتمد البريطاني عن مصر، وكان ذلك على ما أذكر في سنة 1905 أو 1906، أراد أن يشهر بالإدارة المصرية تشهيرا قاسيا، فروى الحادثة الآتية، قال: ضلت أتان صغيرة لرجل من أهل قرية في الصعيد الأعلى، فبادر بإبلاغ العمدة، وهذا أبلغ «النقطة» وهذه أبلغت المركز، وأنشأ المركز يتخذ الإجراءات اللازمة في مثل هذه الحال من التحقيق مع الرجل أولا، ومع الجيران ثانيا، ومع من عسى أن يكون قد رأى من الناس أو سمع ثالثا، ثم جعل يراسل المراكز الداخلة في سلطان المديرية، وهذه تراجع في الأمر ما دونها من نقط البوليس، وبعد لأي جعل يراسل بواسطة المديرية، المحافظة والمديريات الأخرى، وهذه تراجع ما يدخل في سلطانها من الأقسام والمراكز، وهذه تراجع ما دونها من نقط البوليس فعمد القرى وهكذا، ويدوم البحث عن الأتان الضالة على هذا الأسلوب بضع سنين! ولقد فاتني أن أذكر لك أن صاحب الأتان قومها في أثناء التحقيق بثلاثين قرشا صاغا لا تقل مليما!
ولقد بدا للورد كرومر أن يحصر الجهود والأموال التي بذلتها الحكومة في هذا السبيل، وكيف سوت أكواما من الملفات «الدوسيهات»، وما بري فيها من الأقلام، وما نفد من المداد، وما سود من الورق، وما اضطرب به البريد في أرجاء البلاد، وما استهلك من وقت الموظفين الذين لا يحصون عدا، ومع هذا لم تهتد الإدارة إلى تلك الحمارة، وهذا مع الأسف العظيم.
وحدثني الثقة الصادق وذلك من ثمانية عشر عاما قال: ضلت حمارة - أيضا - لرجل يقيم في قرية من أعمال إحدى المديريات في الوجه البحري، فأسرع إلى إبلاغ المركز، وهذا أحال التحقيق على أحد حضرات معاني الإدارة، ولم يمض غير قليل حتى قدم إلى ديوان المركز رجل آخر وهو يقود حمارة قال: إنه رآها على «السكة الزراعية»، وليس يقودها أو يسوقها أو يرعاها أحد، فأحيل التحقيق في هذا البلاغ على حضرة معاون إدارة آخر، وظل ذلك يحقق ابتغاء الاهتداء إلى الحمارة، كما ظل هذا في الحجرة المجاورة يحقق ابتغاء الاهتداء إلى صاحب الحمارة، وطالت الحال على هذا أشهرا، ولعلها كانت تطول سنين، لولا أن المصادفة السعيدة وحدها كشفت عن الصلة بين الحمارة وفاقدها، فردت إليه بعد استيفاء الإجراءات أيضا!
وألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
وإليكم، يا معشر القراء، ما هو ألذ وأبدع ...
لاحظ مأمور قسم ثاني أوقاف وذلك في سنة 1911، وكنت يومئذ موظفا في سكرتارية ديوان الأوقاف، لاحظ هذا المأمور أنه كلما مر في ميدان العتبة الخضراء وجد دكانا بعينه مغلقا، وهذا الدكان داخل في وقف المكاتب والمدارس، فلما كثر ذلك وطال عليه الزمن، كتب إلى الديوان العام يسأل عن السبب في انغلاق هذا الدكان تلك المدة الطويلة، في حين أنه مما يغل أغلى الأجور؟
অজানা পৃষ্ঠা