ثم تتبين الطلبة ويسفر الوجه، فإذا هو البلد الذي خرج منه النبي ذلك المخرج منذ ثمان سنين، هو مكة مثوى قريش الذين آذوه وصدوا عن سبيله، وكادوا له ولصحبه الأقربين، بكل ما اتسع له ذرعهم من الكيد، وائتمروا أخيرا بقتله وتفريق دمه في القبائل فلا يطلب بالثأر له أحد!
ومكة البلد الحرام الذي يقوم فيه بيت الله العتيق، وهو قبلة المسلمين في صلواتهم أنى كانوا من شرق الأرض وغربها، والذي فيه وما حوله تقام فرائض الحج، التي أوجب الله تعالى على كل مستطيع من المسلمين.
ترى ما عسى أن تصنع قريش، وقد قدم إليهم في عقر دارهم عدوهم القديم؟
تالله لقد كانوا أضعف من أن يخرجوا لحربه، وأذل من أن يناصبوه كيدا أو عداوة، بل لقد ابتغوا النجاة بأنفسهم من حيث أومأ هو إلى مواطن النجاة، فكانوا بين ثلاثة رجال: إما لائذ بالبيت الحرام، وإما عائذ بدار أبي سفيان، وإما مغلق بابه عليه، فهو حلس الخدر للنساء!
7 «الله أكبر! الله أكبر! أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله.» وهكذا قام بلال يرفع بها صوته في قلب البيت الحرام بعيون آلهة القوم - أصنامهم - وأسماعها إذا كانت لها عيون وكانت لها آذان!
الله أكبر الله أكبر، إن في ذلك لعبرة العبر!
انظر كيف خرج محمد من بلده وكيف عاد إليه ولم يطو من عمر الدهر أكثر من ثمان سنين!
لم يرق جيشه اللجب دما، اللهم إلا نطاقا قطرتها حماقة بضعة نفر لم يكونوا أكفاء لحياة الإسلام!
لقد طالما تحدت قريش رسول الله وسألوه أن يسأل ربه أن يمتحنهم بالآيات الكبرى، التي امتحن بها الأمم قبلهم، ولكن الرسول لم يفعل بل لقد آثر احتمال الكيد والأذى، علما منه بأن رسالته أجل من أن تزيد بالخسف والدمدمة والعصف والتدمير التي كانت أليق بخوالي العصور، بل هي رسالة الحجة والمنطق وخطاب العقل ولغته إلى ألوان العبر، وتمييز النفع من الضر، والتفريق بين الخير والشر وهكذا.
على أن من هؤلاء الذين سألوا محمدا
অজানা পৃষ্ঠা