من غص داوى بشرب الماء غصته
فكيف حال الذي قد غص بالماء؟
فإن فعلت، وإلا فقد طابت الهجرة إلى البراري والقفار، لنتعوض عن ماء النيل ماء الآبار والأمطار، وإني لأخشى أن تلاحقنا الشركة هناك، وتبسط علينا سوط الاشتراك، بعد أن تحوز ماء الغمام في مواسير، وتختم بالعداد على كل بير، فالشركة وراءنا ولو تعلقنا بالسحاب أو تدسسنا في التراب، وأمرنا إلى من له المرجع والمآب!
أرجو أن تنصفينا يا شركة المياه، وتفرجي عنا من هذا الضيق، وإلا لاضطررنا إلى أن ندعوك «شركة تنشيف الريق» والسلام.
بين الأدب والحرب
لا غرو علي إذا زعمت أن الأدب ليس مدينا لشيء من الأشياء بقدر ما هو مدين للحروب، هو مدين لها في قوته وازدهاره وسعة آفاقه، وكثرة تصرفه في فنون المعاني وتقلبه في شتى الأغراض.
لقد دخل حديث الحروب وأسبابها وما يتصل بها في أكثر أبواب الأدب، واحتل منها المكان الأوقع بما له من شدة القول وجزالة اللفظ، وتلاحم النسيج، وإشراق الديباجة، ورقة التشبيه، وبراعة التخييل، ولك أن تقلب النظر في أبواب الأدب لتدرك كيف أمد حديث الحروب وغذى، وكيف أعز وأغنى، وما ولد من المعاني واستحدث من الصيغ وأجد من رائع الكلام، وإنك لتجري هذا الحكم بدرجة سواء على أبواب الوصف والفخر وما إليه من الحماسة والمديح، والرثاء والهجاء حتى الغزل، وأي شيء لعمري وراء ذلك من أبواب الآداب؟
ولم يقتصر تصرف البلاغات الحربية على أحد الفنين، بل لقد شاعت في النظم والنثر جميعا، وكان في الذروة بالضرورة منها ما جاء به القرآن الكريم، ويأتي بعد ذلك كلام النبي - عليه الصلاة والسلام.
وبعد، فلقد قالت العرب وقال المستعربون في وصف الحروب وجياد الخيل، والسلاح، ووصف الشجعان، والخوارين الجبناء، كما قالوا في الصبر والإقدام، والمكيدة في الحرب، والتحفظ على العدو، وناهيك ما تفاخروا به من الشجاعة وتكاثروا، وما تذاموا به من الجبن وتعايروا، وما مدحوا به الكماة فأبعوا في الثناء، وما رثوا به قتلى الحروب فأفلقوا في الرثاء، وذلك إلى ما أثر في هذه الأبواب من حكم الحكماء، وما سار من أوامر القادة ووصايا الأمراء ... إلخ.
وإذا كان استقصاء ما قيل في الحروب وأسبابها وما يتصل بها مما يتجاوز جهد الطاقة، وإذا كان الإتيان على ما جاءت به كتب الأدب والتاريخ والسير مما لا يحتمله مقال، بل إن محله الأسفار الصخام، فإن من الحق علينا أن نأتي بألوان من النماذج في هذه الأبواب، ولنبدأ ببعض ما ورد في القرآن العزيز:
অজানা পৃষ্ঠা