والأمر الأول قد كثر الحديث فيه، بينما بقي الثاني مقفلا إلا من دراسات حوله، وليس من داخله. وهذا الكتاب الذي كان في الأصل مقال نشرته المسار ثم توسع فيه يفتح المقفل، ويدخل إلى المغلق، يفتش دهاليزه المظلمة، وممراته المعتمة، ومنعطفاته الملتوية، ثم يخرج منه وهو يتحدث عنه حديث صدق في الأخرين، وبموضوعية عرفت عنه.
والحق أنه من خلال هذه الكتاب يتبين بوضوح مابعده وضوح: أن العلامة الكبير قد تصدى لهذا الموضوع الهام بشجاعة المؤمن، وصبر الباحث، ويقين المستبصر، فغاص في الأعماق تحت الأمواج المتراكمة، وحلق في الأودية المتشعبة، وطار في الآفاق الواسعة بجناحين قويين، ومضى فوق الهاويات السحيقة، متتبعا النصوص، باحثا عن الرجال، مدققا في الرواة، تتبع باحث مدقق خبير، ومع أن الرحلة شاقة وعسيرة ومضنية، إلا أن التعي والنصب لم يفقد مؤلفنا الكبير صبره ولا تأنيه؛ فلم يختزل القضايا إختزالا، بل كان يوسعها بحثا واستقصاء حتى اكتملت بين يديه، واستوى أصلها وفرعها؛ وإن كتابه هذا بحق نتيجة بحث مستفيض زدلاتية وعقنية يعتز بها طلاب البحث العلمي. ولأنه كذلك فسوف يوفر المتعة الذهنية والفائدة التاريخية لمن يتجول في ربوع هذا الكتاب النضير.
أستطيع أن أقول بحق أن عالمنا الكبير المدقق قد ترك الباب مشرعا لمن يريد أن يدخل إلى أعماق القبو الذي كان مقفلا. لقد أضاء فعلا سرجه، وأنار دروبه، وليس على الداخلين فيه من خطر. لقد انجز الرائد استكشافه.
زيد بن علي الوزير
لندن الأربعاء: 13 رجب1423/ 10سبتمبر 2003 قرشية الخلافة
পৃষ্ঠা ৪