وهكذا أوصل مشرعوا التغلب خلافة الأمة إلى الأنهيار الكامل، بل وإخراجها من الصورة. ومن هنا يتبين جريرة الفقه السياسي المضاد لفقه خلافة الأمة، ذلك الفقه السياسي الذي نصب صنما سياسيا إسمه قريش باسم الدين نفسه، وليس بإسم إجتهاد مجتهد، أو رؤية مذهب، وإنما باسم الله ورسوله، ثم أحله محل حق المسلم متى توفرت له شروطها اللازمة في القيادة. وبفعل القوة وخداع علماء التسلط وجدت الأمة نفسها إزاء ما يضخه علماء التسلط من تشريعات باسم الدين تتعبد لهذه الأصنام المتوحشة، وتقيم لها الشعائر، وتحرق لهياكلها البخور، بعد أن كانت تتعبد بمفاهيم الله والرسول والناس وسط المسجد عندما يهتف الهاتف من مآذن الصلاة بصلاة الشورى: الصلاة جامعة.
مالبث التعبد بفصل دعم الدولة وإرهابها ومشايخها في التديين لهذا الصنم القرشي السياسيأن أصبح تيارا ساحقا لا يقف أمامه أحد، ودينا شرعيا معترفا به عند الأمة، باستثناء الخوارج، وبعض المعتزلة، وبعض أئمة الزيدية، وبعض علمائها. ولأن الخوارج غير مقبولين عند العامة والخاصة لتطرفهم الشديد الذي عرفوا به؛ فقد انسحق مفهومهم الرائع لحق المسلم وليس القرشي فقط في الخلافة تحت ثقل هذا البغض وتلك الكراهية، ثم لاستغلال الحكام لموقف الناس هذا منهم، وفي صخب التيار القوي أيضا ماتت أصوات بعض المعتزلة، وبعض أصوات أئمة الزيدية ، وبعض علمائها وسط الهدير العالي.
يسلمنا هذا الإستعراض المركز إلى أمرين.
الأول: إلى معرفة كيف قاد التمسك بالقرشية المفتعلة من الناحية العملية إلى سلسلة من الإخفاقات التشريعية أنزلت بالأمة حاصبا من الشقاء، وبخلافة الأمة الإنتخابية وابلا من مطر السوء.
والأمر الثاني: إلى البحث عن هذه المعضلة المزمنة، وخاصة من حيث تأثيرها الأعمق، أي من ناحية تديينها.
পৃষ্ঠা ৩