The Word of God
التي هي حلقة الاتصال بين الله والعالم، فأنت تستطيع أن تعلم حقائق الأشياء كلها إذا عرفت الله، ولكن أوغسطين يؤكد أن ليس في مقدور البشر أن يعرف الله معرفة تامة ما دام في هذه الحياة الدنيا، وإن كان ذلك مستطاعا بعض الشيء عن طريق الدين والعبادة؛ لأن الله الذي ستتصل به في عبادتك، فترتسم في نفسك صورة منه هو نفسه الله معين المعرفة وينبوعها، وهنا يقرر أوغسطين أن الإلهام مصدر قوي للمعرفة الصحيحة، وهو يشترط لمن يريد أن يتناول بعقله مسألة ما أن يبدأ بالعقيدة أولا: «لا بد لكي تعقل أن تعتقد.» (1-2) كيف خلق الله الكون؟
اتجهت إرادة الله منذ الأزل إلى خلق العالم، فأخرجه من العدم إخراجا، وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا. فلم يكن إلى جانب الله شيء من مادة يصوغ منها الكون الذي يريد، ولكنه خلقه خلقا دون أن ينبثق منه، وقد بدأ الخلق المادي حين بدأ الزمان، أما الله نفسه فليس له زمان ولا مكان، وقد تم خلق العالم على دهور متتابعة، وليست ستة الأيام التي قال موسى: «إن الخلق قد تم فيها.» إلا درجات متعاقبة من الكمال تتابعت على الكون في مسيره.
ولله قوة مطلقة تسيطر على الوجود بأسره فلا يحدها شيء، وهو فعال لما يريد، لا يخرج شيء عن إرادته؛ وإذن فهو العلة لكل ما يقع في أنحاء الكون من أحداث، ولكن فيما يقع شر ورذيلة، أفيكون الله يوما مصدرا للرذيلة والشر؟ كلا إن ما ترى من الشر إن هو في حقيقة الأمر إلا امتناع للخير، أي إنه ليس شيئا إيجابيا في ذاته له حقيقة واقعة، بل هو نقص في كمال الشيء، وبعد عن مرتبة الخير الإلهي، ويريد له الله أن يدأب في سيره صعدا حتى يبلغ الكمال، فلكل شيء عند الله حكمة وغرض، وليس في الوجود شيء يكون في حساب الله تافها أو حقيرا. (1-3) تحليل الروح
لم يذهب أوغسطين إلى ما ذهب إليه بعض الأقدمين من أن البدن سجن قد زجت الروح في غياهبه وغلت بأغلاله، كذلك لم ير ما ارتآه بعض الفلاسفة من أن الروح قد انبثقت من الله انبثاقا، إنما يقرر أنها قد بدأت في الزمان - أي إنها أزلية - ولكنها مع ذلك خالدة إلى الأبد، وهي ليست مركبة وليست مادة، وليس لها امتداد في المكان، ويختلف جوهرها عن جوهر البدن، ولو أنهما يعيشان في ود وانسجام. وإنما جاء خلود الروح واستعصاؤها على الفناء من أنها تحمل في طياتها حقيقة خالدة. أليس الروح والعقل شيئا واحدا؟ ثم أليست مبادئ العقل خالدة ثابتة؟ ففيم القول إذن بفناء الروح؟ إنه لمن الخطأ أن يقال إنها تحتوي الحياة؛ لأنها هي الحياة نفسها، وتنقسم ملكات الروح قسمين: مرتبة سفلى تشمل الإدراكات الحسية والشهوة والتخيل وذاكرة الحس، ومرتبة عليا فيها الذكاء والإرادة والذاكرة العقلية. والإرادة هي التي تحرك العقل نحو العمل، وتدفع العقيدة إلى الرضا بما يعمل. (1-4) الأخلاق
ليس من سبيل إلى الخير الأسمى، إلى الاتحاد بالله بواسطة التأمل، ويستحيل أن يتم هذا الاتحاد في الحياة الدنيا، فهو مدخر للحياة الآخرة، وواجب الإنسان في حياته أن يسير وفق القانون الإلهي تمهيدا لتلك السعادة الكبرى، وحسب الإنسان تلك السعادة الموعودة حافزا يحمله على الخير والفضيلة، وإن أقوى ما يدفع الإنسان إلى الفضيلة والخير هو الحب: حب الله، وحب الإنسان، فمن حب الإنسان للإنسان ينشأ في قلبه الإحسان، والإحسان أساس الحكمة والشجاعة والعدل. وأما حب الله فهو الينبوع الدافق الذي يستقي منه الإنسان حبه لنفسه وحبه للناس على السواء. ويذهب أوغسطين إلى أن هناك طائفتين من الناس: أهل «مدينة الله» وهم قوم أراد لهم الله أن يعيشوا في نعيم خالد مقيم، وأهل «الدنيا»، وأولئك هم أصحاب الرذيلة والشر الذين كتب عليهم ربهم البؤس والشقاء. (2) العصر المدرسي
Scholastic Period
كانت أوربا خلال القرون الوسطى تتوزعها دويلات صغيرة تتولاها حكومات واهنة ضعيفة، لا تنفك شاكية السلاح يقاتل بعضها بعضا لما أكل نفوسهم من حقد، وما ران على قلوبهم من فساد، وكانت تلك الدويلات كلها خاضعة للحكومة الرومانية التي تبسط عليها سلطانها ما وسعها ذلك؛ إذ القوة الفعلية لم تكن حينئذ سياسية تصدر عن الدولة، بل كانت دينية تملك زمامها الكنيسة. فلها الكلمة العليا إذا حزب الأمر، ولها القول الفصل إن قامت بين الناس خصومة أو نزاع. وأسرفت الكنيسة في نفوذها إسرافا أفسد الحياة وأصاب الفكر بالعقم والجمود، وتحكمت في العقول حتى سحقت كل ضرب من ضروب الحياة والنشاط، فلم تكن أوروبا في القرن العاشر إلا ظلاما دامسا تغلغلت فيه الجهالة، ونفثت في الرءوس ما شاءت من خرافات. فلما أن جاء القرن الحادي عشر أخذت تنقشع تلك السحابة المعتمة بعض الشيء بما ظهر من كنوز العلم التي كانت لا تزال دفينة في مكامنها في اليونان، فأزيل عنها ما غشيها من غبار حينما أعادت الحروب الصليبية ما كان وهن بين الإمبراطورية الغربية والإمبراطورية الشرقية من صلات، فبدد بريقها شيئا من ظلام القرن العاشر، وكأنما شاء الله أن تتناصر العوامل، وتتضافر الأسباب في وقت واحد؛ لكي تزحزح عن صدر أوروبا ذلك الكابوس الجاثم، فأرسل عليها الغرب - حيث الدولة العربية تزهو في إسبانيا وتزدهر - قبسا من علم فاضت به مجامعهم، وجاشت به صدورهم، فانبعث إلى قلب أوروبا وشحذ منها الفكر الفلسفي وأنهضه، حتى دبت فيه قوة وحياة، فكان من مظهره هذا الذي ندعوه «الفلسفة المدرسية»، على أنها لم تكن مدرسة فلسفية متماسكة، كمدرسة أفلاطون مثلا، إنما هي جهود فلسفية مبعثرة بذلها «المدرسيون» وهم رجال الدين الذين أخذوا بزمام الفلسفة فأناخوها في حظيرة الكنيسة وحدها؛ لكي يستخدموها في شئون الدين، لعلهم يجدون فيها لعقيدتهم سندا من المنطق، ودعامة من العقل.
قال «هجل » في كتابه المسمى «محاضرات في تاريخ الفلسفة»: «إن الفلسفة المدرسية لم تكن مذهبا محدودا كمذهب الأفلاطونيين أو الشكاك، بل كانت مجرد اسم مبهم يطلق على كل مباحث المسيحيين الفلسفية في أكثر من خمسمائة عام. فليست الفلسفة في العصر المدرسي إلا لاهوتا ولا اللاهوت إلا فلسفة، والفيلسوف المدرسي هو من يبحث في اللاهوت بحثا علميا منظما.»
وقد كانت أولى مسائل البحث، أو إن شئت فقل كان موضوع البحث الذي قام حوله الجدل العنيف، ونشبت فيه الخصومة القوية بين رجال الفلسفة المدرسية هو موضوع الكليات
অজানা পৃষ্ঠা