108

আধুনিক দর্শনের গল্প

قصة الفلسفة الحديثة

জনগুলি

التطور:

ولكن مهما يكن من أمر فها هي ذي الفلسفة - أي العقل - قد ألقت سلاحها معترفة بقصورها وعجزها عن إدراك تلك الحقيقة الكامنة وراء ظواهر الأشياء، وبادرت فألقت بهذا العبء الذي أثقل كاهلها طوال العصور للدين يبحثها ما شاءت له طرائقه، ولتقنع الفلسفة بالبحث فيما تستطيع له فهما وإدراكا. ولتكن مهمتها منذ اليوم تلخيص النتائج العلمية وجمعها في وحدة شاملة، فقد بدأت المعرفة بأشتات متناثرة من المعلومات، ثم امتدت إليها يد العلم بشيء من الربط، حتى تركزت في طائفة من العلوم. أفلا يجدر بالفلسفة أن تؤاخي بين أفراد هذه الجماعة من العلوم المختلفة، فتسكب المعارف الإنسانية جميعا في وحدة متماسكة؟ حقيق بها ألا تدع سبيلا للبحث حتى تهتدي إلى قانون عام ينتظم التجارب الإنسانية جميعا كائنا ما كان لونها، ترى هل توفق إلى الهداية في هذه الطريق الملتوية الوعرة فتنتهي إلى قانون واحد يفسر هذا الشتيت المتضارب مما يقع تحت حسنا، ويضم تحت لوائه المفرد كل هذه البنود المتباينة مما تضم صدورها من تجربة ومن علم؟ يجيب «سبنسر» أن نعم. ألا يتلخص تاريخ الكائنات جميعا في ظهورها من بدء مجهول، ثم اختفائها في نهاية مجهولة؟ إذن فلا بد أن يكون ذلك القانون المنشود شاملا للتكون والانحلال، ألا وهو التطور. هنا يضع «سبنسر» قانونا للتطور شرحه في مجلدات عشرة، واستغرق من زمنه عشرين سنة كاملة، هاك نصه: «التطور هو تجمع لأجزاء المادة يلازمه تشتيت للقوة والحركة، وفي خلال ذلك تنتقل المادة من حالة التجانس المطلق إلى حالة التباين المحدود.» ولشرح هذه العبارة نقول:

لقد تكونت الجبال الشامخة من ذرات الحصى، وامتلأت المحيطات الفسيحة بقطرات من الماء، واجتمعت عناصر دقيقة من الأرض فكونت الأدواح العالية، ووجبات متعاقبة من الطعام تشيد أجسام الرجال، وتآلفت طائفة من المشاعر والذكريات فألفت فكرا ومعرفة، ثم تآخت جزئيات المعرفة، فأنتجت علما وفلسفة. لقد تطورت الأسرة إلى القبيلة، ثم إلى الدولة، ثم إلى تحالف بين دول الأرض قاطبة. كل هذه أمثلة لأجزاء المادة المتناثرة كيف تأتلف ويجتمع بعضها إلى بعض. ومن جهة أخرى يسبب هذا التآلف حدا من حركة الأجزاء وشلا لقوتها، فقوة الدولة مثلا تحد من حرية الأفراد، والحبة من الهباء حرة الحركة، وهي منفصلة، مشلولة مقيدة إذا اجتمعت مع أخواتها في صخرة أو جبل، ولكن تجمع الأجزاء يستتبع نتيجة أخرى هي التنوع والتنافر في العمل الذي يؤديه كل منها، فقد كان السديم الأول مركبا من مادة متجانسة يشبه بعضها بعضا، ولكنها سرعان ما تنوعت في غازات وسوائل وأجسام صلبة. انظر فهذه قطعة من الأديم قد افترشت سندسا أخضر، وتلك جبال قد اكتست ثلوجا ناصعة البياض، وذلك بحر قد تسربل بلباسه الأزرق، أنعم النظر في هذه الخلية الواحدة المتجانسة، وما سينشأ عنها من مختلف الأعضاء، هذا للغذاء، وذلك للإفراز، وثالث للحركة، ورابع للإدراك. اللغة الواحدة لا تكاد تسري في بطاح الأرض، حتى تتنوع في ألسنة ولهجات لا يفهم بعضها بعضا. العلم الواحد يتفرع عنه عشرات من العلوم، المنظر أو الحادثة توحي صورا من الفن والأدب ليس إلى حصرها من سبيل، كل هذه أمثلة على التنوع والتنافر اللذين يعقبان التشابه والتجانس.

وهكذا أسطورة الحياة تجمع وتفرق، تآلف وتنافر، تأتلف الأجزاء وتجتمع في وحدة لا تزال تطرد في النمو حتى يدركها تنافر الأجزاء، ثم يشتد هذا التنافر ويشتد، حتى تتلاشى وتنحل.

سنة الوجود هذا الانحلال والتكون، ولكنه بين جذبة المد ودفعة الجزر يلتمس التوازن لكي ينتهي إليه، فكل حركة تعاني من المقاومة ما يؤدي بها إلى البطء، ثم إلى السكون عاجلا أو آجلا ... الكواكب السيارة يضيق فلكها شيئا فشيئا، حرارة الشمس وضوءها يقلان كلما تقادم عليها الزمان. الأرض تتلكأ في سرعتها عهدا بعد عهد. الدماء في عروقنا سيصيبها البرودة والبطء، وهكذا سيسعى الوجود نحو الانحلال، أو سيسعى الانحلال إلى الوجود خطوة خطوة، وهي خاتمة محتومة للتطور. سينحل المجتمع وتتفرق الشعوب، وتذوب المدن، وبمثل هذا تتم دورة التطور والانحلال، ولكنها ستبدأ السير ثانية وثالثة إلى ما لا نهاية له من المرات، وكل تكوين جديد لا بد أن ينتهي بالفناء والموت.

وهكذا كان كتاب «المبادئ الأولى» مأساة مروعة تروي لنا قصة العالم: صعود وهبوط، تكون وانحلال، حياة وموت، تطرأ متتابعة على الأحياء والأشياء، أفيكون عجيبا أن يقابل هذا المؤلف عند إخراجه، وإذاعته في الناس ثورة عنيفة؛ لأنه لم يدع مجالا للعقيدة والأمل؟

رأينا فيما سبق أن التطور عند «سبنسر» هو القانون الذي تنشده الفلسفة لكي تضم بين دفتيه علوم الإنسان بأسرها فمهما قلبت النظر في مظاهر الكون وجدتها تسير في سبيل التطور، أي من البساطة إلى التعقيد ، ومن التجانس إلى التباين.

ويختم «سبنسر» كتابه هذا برأيه في الحياة بأنها تافهة حقيرة لا تستحق البقاء، فأصابه بهذا الرأي ما أصاب الفلاسفة جميعا من محنة النظر البعيد، إذا ألقى ببصره إلى الأفق النائي، فمرت صور الحياة الخلابة تحت أنفه دون أن يراها. (4) تطور الحياة

يبدأ «سبنسر» كتابه عن تطور الحياة بتعريف الحياة نفسها، بأنها التوفيق بين الكائن الحي وبيئته، ويتوقف كمالها على كمال هذا التوفيق، فهذا حيوان يكتسي بالفراء ليتقي لذعة البرد، وذلك قد أعد لاختزان الطعام لما عساه أن يصادفه من عدم وإجداب، وثالث يستطيع أن يتلون بلون الأرض التي يدب فوقها حتى لا يبصره العدو فيفتك به إلى آخر هذه الوسائل التي زودت بها الطبيعة الأحياء، أو بعبارة أصح، التي قسرها الأحياء قسرا على أن تزودهم بها للذود عن حياتهم، وبديهي أن هذه الملاءمة لم تبلغ ولن تبلغ درجة الكمال، ما دام الحيوان مخلوقا ناقصا يعتريه الضعف والموت، ولكن مهما يكن من أمر فهو دائب لا يني عن السعي الحثيث في زيادة هذه الملاءمة شيئا فشيئا، بأن يكمل هذا النقص تارة، وذاك طورا، وينقح من أعضائه حتى تتمكن من مجاوبة الطبيعة ومقاومتها، ومعنى ذلك أن الكائن الحي يشعر بالحاجة أولا، ثم ينطلق في سعيه جيلا بعد جيل يستمد من الطبيعة عضوا يسد له ما أحس من نقص، فهو مثلا قد شعر بحاجته إلى النظر؛ لكي يتبين ما يحيط به في دقة ووضوح، فكون لنفسه على مر الدهور عضوا للإبصار، وهكذا قل في سائر الأعضاء.

وليست الحياة إلا هذا التوفيق الذي لا ينقطع أسبابه، ولا تقتصر هذه المحاولة على أفراد الحيوان، بل تعدوها إلى الأنواع، إذ يسعى كل نوع باعتباره كلا إلى الملاءمة بينه وبين البيئة، ويرى «سبنسر» توافقا عجبا بين تكاثر الحيوان، وبين ما يحيط به من الظروف الطبيعية، فهو يرى الأصل في التناسل هو تخلص الكائن الحي من زيادة في حجمه لا تتناسب مع جهازه الهضمي، أي أن كتلة الكائن الحي إذا اطردت في النمو، تصل إلى حد لا تستطيع معه المعدة أن تسد حاجتها من الغذاء، وعندئذ يضطر الحيوان إلى أن يقف نموه عند حد معين، وكل زيادة تجيء بعد ذلك يتخلص منها بأن يخرجها نسلا. وتطبيق ذلك أن الإنسان - ذكرا كان أم أنثى - يأخذ جسمه في النمو إلى حد محدود، ثم يقف نموه إذا ما جاءت مرحلة التناسل، ولذا ترى أن عدد النسل يتناسب تناسبا عكسيا مع درجة النمو، فكلما كبر حجم الحيوان، كان نسله أقل عددا، فبينما تنسل الذبابة عشرات الذباب لا يلد الفيل إلا واحدا، كذلك يتناسب عدد النسل مع مقدرة الحيوان على مقابلة الأخطار، فإن كان ضعيفا عاجزا عن صد ما يتهدده من الكوارث لجأ إلى كثرة النسل ليعوض فناء أفراده الناشئ من ضعف المقاومة، وإلا تلاشى النوع. والعكس صحيح، أي إذا كان النوع قادرا على الاحتفاظ ببقائه، وجبت قلة النسل، وإلا رجحت كثرة العدد على كمية الطعام، ومعنى ذلك بعبارة أخرى أنه كلما ارتقى النوع في سلم الحياة، كان أقدر على الاحتفاظ بوجوده، فكان قليل النسل، وهذه القاعدة صحيحة إلى حد كبير حتى في الأفراد، إذا ارتقى الفرد في عقليته وذكائه كان أقل نسلا. ومما هو جدير بالذكر أنه كلما ازدادت عند الفرد كمية الاستهلال العقلي - أي التفكير - قل عدد النسل أو انعدم، ولعل أبلغ آية على ذلك عقم الفلاسفة. وقد يشير هذا الدليل إلى أن الإنسانية تسير في تطورها نحو مرحلة تزيد فيها القوة العقلية ويقل عدد النسل.

অজানা পৃষ্ঠা