বিশ্বের সাহিত্যের ইতিহাস (প্রথম খণ্ড)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
জনগুলি
فالهمجي الذي عاش قبل التاريخ عاريا في الغابات، يتسلق أشجارها ويقفز بين أغصانها صائحا: «را، را، را، بو، بو، بو» هو الواضع الأول لأساس الشعر المنظوم؛ فقد أخذت هذه الصيحات الأولى تصاغ في أناشيد قبل أن يبتكر الإنسان ألفاظ اللغة للتعبير عن أفكاره؛ حتى إذا ما جاء طور اللفظ، كانت قد أعدت قوالب الشعر وأوزانه، فانصب فيها اللفظ الجديد، فكان منه شعر منظوم مفهوم، بعد أن كان الشعر صيحات يمرحون بها في الرقص، ويهتفون بها في الغضب، ليهب الناس للقتال، ويناغمون بها وقع المجاديف في الماء، أو وقع أقدام الإبل في الصحراء.
كان الشعر - إذن - أول مراحل الأدب، فلما سارت الإنسانية في طريق المدنية شوطا، وبلغت حد الترف والفراغ، هدأت العاطفة الحادة بعض الشيء، وزاد التفكير المنظم، فلما عبر الإنسان عن تلك الأفكار جاء تعبيره نثرا. ولسنا بالطبع نعني بهذا أن الإنسان بدأ يتكلم شعرا بل هو بدأ يتكلم نثرا غير فني، ولكنه لما أراد أن يعبر عن عواطفه بطريقة فنية عبر عنه شعرا ثم نثرا فنيا، كما أنا لا نعني أن الشعر ظهر ثم زال ليفسح المجال للنثر الفني، بل إن الإنسان - في كل عصر حتى في عصر المدنية - كلما جاش صدره بالعواطف الحادة لجأ إلى الشعر، وقد يزخرفه بمحسنات صناعية تجعل للألفاظ والأنغام وقعا في آذان السامعين، فقد ظل الشعر ألوفا من السنين يقرض لينشد في صوت مسموع، لا ليقرأ في صمت على ورق مطبوع؛ فكان الشاعر بمثابة الممثل، يتفنن في إخراج اللفظ ليبلغ الغاية في امتلاك القلوب.
ويكاد الشعر يتطور في مراحل معينة في كل عصر وفي كل أمة، فهو يبدأ صورة ساذجة للتعبير عن العواطف، ثم يستخدم المحسنات اللفظية، ثم يمعن في ذلك حتى تختفي العاطفة نفسها وراء زخرف الألفاظ، ثم يثور الناس والشعراء على المبالغة في الصناعة فيرتد الشعر مرة أخرى إلى التعبير البسيط عن العواطف.
كان الشعر أول الصور الأدبية ظهورا، وكان الكهان من أول الأدباء المنشئين، فهم الذين صاغوا أناشيد الحرب وقصص الأبطال وعقائد الدين في قالب الشعر ليسهل على الناس حفظها. ثم أخذ الأدب بعدئذ يتطور في صوره كلما تطور المجتمع في أوضاعه؛ فليس الأدب سوى ظاهرة اجتماعية تنشئها العوامل الطبيعية التي تنتج كل الظواهر الاجتماعية الأخرى. والاجتماع قائم على أساس المادة، أي على أساس الغذاء، يتطور المجتمع ويترقى كلما تطور مورد الغذاء وتكاثر.
فكلما توافر الغذاء وسهلت أسبابه، أصبح المجتمع قوة منظمة، وأخذ يسعى - وقد استتب له النظام والطمأنينة - نحو الرقي الأدبي. فحياة الإنسان الأولى كان نظامها المختل غير المستقر نتيجة حتمية لتيهانه في الأودية والأصقاع، ينشد الصيد الذي يقتات به؛ فكان الأدب بين تلك القبائل الأولى متواضعا، لا يزيد على أنغام تتم على توقيعها حركات الرقص، فإن تعدى ذلك فإلى غناء يتكون من لفظة أو لفظتين، وإلى قصص خرافي حول آلهة الأشجار والأنهار وما إليها من ظواهر البيئة، فإذا جاءت مرحلة الرعي استتب لقبائل الرعاة نوع من الاستقرار، ولم يعد الإنسان معتمدا في قوته على مجرد المصادفة العارضة، بل أصبح مورد غذائه مكفولا نوعا ما، وتوفر لديه بعض الأغذية الزائدة عن حاجته، فأحس شيئا من الاطمئنان نحو المستقبل، ووجد بعض الفراغ في الوقت والفكر يصرفه في التفكير والأدب، وانفسح المجال بعض الشيء أمام الشخصية الفردية لتظهر، بعد أن كانت معدومة بكل معاني الكلمة في الإنسان الأول الذي يحترف الصيد. أما وقد توفر القوت، فكان من الطبيعي أن يستولي الرجال الأقوياء على القوت المدخر، ويصبحوا قادة لإخوانهم، وإن كانوا قادة تقيدهم تقاليد القبيلة إلى حد كبير.
هذا النظام الاقتصادي وما يتولد عنه من نظام سياسي، ينعكس تأثيرهما على الأدب الشفوي للقبيلة، لأن الأدب هو التعبير الجميل عن العاطفة والإرادة والخلق، فترى الأدب الذي يزدهر في مثل تلك المرحلة شعرا حماسيا يشيد بالخلال التي يتحلى بها رئيس القبيلة المسيطر على المجتمع، أو بمزايا القبيلة نفسها، أو بهجاء من عاداها من أفراد وقبائل أو نحو ذلك. •••
ثم يظهر نظام الأوتوقراطية (نظام الحكم المطلق) في أمم وجماعات نشأت في أراض قريبة من البحار والأنهار الكبيرة؛ أراض تنبت غلات غذائية وافرة، فيصبح المدخر الغذائي أكثر مما كان، وتتسرب ثروة البلاد إلى أيدي الذين استولوا على معظم السلطة، فيصبح الملوك وفي استطاعتهم أن يعتلوا ذروة الرفعة والمجد، وأن يمتلكوا أقصى الثراء والغنى، ولا يعود المجتمع كما كان قبل؛ مجموعة من الرعاة القبليين يرأسهم من لا يكاد يزيد عليهم في الثروة، بل يصبح الملك ومعه قليل من الرؤساء في طبقة، وتصبح عامة الناس في طبقة أخرى، فيلجأ الرجال الذين وهبوا ملكات ممتازة إلى التغني بالترانيم والشعر القصصي، يشيدون فيه بمجد الملوك والقادة، ومجد الآلهة والأبطال الذين بنوا صرح الأوتوقراطية؛ ومعنى هذا أن أدب الأوتوقراطية - المتمثل في الترانيم والملاحم - ليس إلا مجرد ظاهرة اجتماعية أنتجتها الظروف المادية.
في هذا الطور الأوتوقراطي لا يعتمد المجتمع على ما بين أفراده من وحدة الدم ورابطة النسب، بل يكفي لارتباط الجماعات سيطرة الملك على البلدة الأصلية والبلاد المجاورة، بوسائط الحرب أو بالوسائل السياسية. وفي مقابل الولاء الذي يقدمه رؤساء هذه البلاد يتعهد هذا الملك أو الرئيس الأكبر بحمايتهم من العدوان الأجنبي.
هذه الجماعات المتفاوتة في النزعات، المتنوعة في الأغذية، تخضع كلها لقانون واحد، وتصبح معاملاتها المتبادلة حافزا على الاختراع والابتكار، ويوسع ذلك من أفقها الفكري الذي لا يخطو المجتمع بدونه نحو المدنية والحضارة، ويشجع - من طريق مباشر أو غير مباشر - التجارة الأجنبية، لتجد الأوتوقراطية سوقا تصرف فيه صناعتها وغلاتها.
وإذ تتنوع حاجات الناس وتتعدد مطالبهم تتعدد كذلك أشكال الأدب؛ إذ الإنسان في هذا الطور يكون قد تقدم فكره واتسعت تجاربه، فأدبه يرقى بتعلمه من هذه التجارب، وتعلمه إتقان التعبير عنها.
অজানা পৃষ্ঠা