بمنزلة الأرواح، فبقيت نفوسهم مأسورة مقبوضة، تلوح عليهم بهجة المحبة، وسيماء المعرفة، لقلوبهم زفرات، وفي أفئدتهم حسرات، فانظر رحمك الله إلى الصنف الأول، وغاية أمرهم، وجملة دائرتهم مي أعمالهم وأحوالهم، وفي صحبتهم وتآلفهم، وإلى منتهى حدهم وغاية أمدهم، وانظر إلى هؤلاء ومقصدهم، وعملهم وأحوالهم سيرهم، فهل أبقى الصدق من نفوسهم، وهل تركت إرادة الحق لهم إرادة غيره? لا يميلون إلى غير من يطلبونه بالمحبة، من الدنيا والشهوات والأعراض الفانية، لأن هذا الميل شرك عندهم في المحبة، وهو من الشرك الخفي، لا يحبون إلا مولاهم، ويحبون في مولاهم الأنبياء والصادقين، ولذلك لا يركنون إلى غيره في شأن من شؤونهم، قد ادخروه لكبرهم، وعماهم، وفقرهم، وخاتمهم، وبرزخهم، ليس هذا عندهم شرك - أيضا - في التوحيد، كالشرك الأول في المحبة، وهو من الشرك الخفي، فيصححون الميل والمحبة إليه، بلا شرك لغيره بالمحبة، ويصححون الاستناد إليه بلا شرك يستندون إليه معه، وإن كانوا في أسباب ومعايش يدخلون فيها، فلا يستندون إليها، ولا يستندون إلا إلى مولاهم، قد هانت الدنيا عندهم، فهي لا تزن جناح بعوضة، لكن هم فيها كما أمرهم الله تعالى، فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) ، فهم فيها على حكم مولاهم.
فإذا نظرت إلى الفريق الأول، ثم نظرت إلى الفريق الثاني فانظر إلى نفسك من أي الفريقين أنت، فالزم دائرتك، وعاشر قومك وأصحابك، فإنهم أنسب بك، وأليق بحالك، ولا تعاشر الفريق
পৃষ্ঠা ৮০