ثم هم يستعملون أعمال الأبرار كلها، ويزيدون عليهم بنفوذ البصائر في الملكوت، قد أخذت قلوبهم هيبة من ملاحظة مولاهم وأقداره فيهم، ينظرون مشيئاته في كل نفس، وينتظرون فرجه ورزقه الظاهر والباطن في كل ساعة، وعيونهم ممتدة إليه، معرضة عن غيره قد أيسوا من غيره إياسا ما عليه مزيد، ولم يطمعوا إلا فيه، قد أسر قلوبهم فأخذها في قبضته، بل قد غابوا عن كل شيء وذكروه عند رؤية كل شيء، بأنه فاعله وصانعه وقيومه، فهؤلاء السادة ذنوبهم التدبير والتشهي والاختيار، كلما غفل أحدهم واشتهى ودبر رجع إلى مولاه بالتوبة، كما أن ذنوب الأبرار المعاصي الظاهرة.
وفي الجملة فما ذكر لك جملة حالهم هم قوم قد حشا قلوبهم أنوار وجوده، وعمرها بملاحظة فعله، وافيا بصفاته المقدسة شؤون نفوسهم، فصار أقرب إليهم من كل شيء، وفعله أقرب الأفعال إليهم، وقد ملكهم بأمره، فانقادوا له بالطوع والهشاشة، وقاموا بعبودياتها كما تقدم في النعمة والبلية، والطاعة والمعصية، وسترهم بأنوار وجوده، فلا يرون غيره إلها، ويرون وجودهم قائما بقدرته، فانقهرت قلوبهم من وجوده وأمره وفعله، فتحققوا بكلمة : لا إله إلا الله، على الحقيقة ، وتحققوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الاتباع، فهم أهل التوحيد في الاتباع والعبودية .
فهؤلاء عين الله عز وجل ترعاهم، ولطفه يغذوهم، وشيطانهم حقير مدحوض، منكوص على عقبه، شاحب مغير نحيل مريض، يزدادون كل يوم قربا، ولهم على ساعات الليل والنهار تجليات تظهر آثارها في قلوبهم، من نظرات العزيز الرحيم إلى قلوبهم وبواطنهم
পৃষ্ঠা ৭৬