والخطوة العملية التي تجدي في تحقيق الغاية الثابتة من تنمية الغذاء العالمي ينبغي أن تتصل بتدبير الماء، إذ هناك بقاع شاسعة تثمر الغذاء الوافر إذا استطيع تخصيبها بالأمواه الكافية، فالبقاع المزروعة الآن بالوسائل التقليدية تساوي مساحتها نحو أحد عشر في المائة من الأرض المزروعة، وهي تزداد زيادة سريعة في أمريكا الجنوبية وآسيا، ويقدرون أن أربع عشرة في المائة من الأرض يروى بتلك الوسائل التقليدية إذا حسن تصريف أمواه الأنهار في أرجاء العالم، وقد يرتفع هذا المقدار إلى عشرين في المائة، يجري ريها وزرعها بالنفقات العادية، وقلما تكفي مياه الأنهار والينابيع لزراعة مساحة أكبر من تلك المساحة، فلا أمل إذن في تخصيب الصحارى والسهوب بالوسائل التقليدية، وهي تزيد في اتساعها على مثلي سعة الأرض المزروعة، وعلينا أن نلجأ إلى ماء البحر لاستخدامه في إصلاح الأرض البور وزرعها، فكيف يتأتى ذلك بالطرق الاقتصادية؟ إن تكاليف الفدان الواحد من ماء البحر بعد تصفيته وإعداده للري تساوي ضعف ثمن الغلة التي تجنى منه، فضلا عن تكاليف الأقنية والقناطر والأنابيب الموصلة للماء، ولكن إصلاح الصحارى البور يظل مع هذا بابا مفتوحا عند الاضطرار .
أما عن الطاقة اللازمة، فإن الوقود الذي يستنفده العالم - إذا بقي على حاله ولم يطرد في الزيادة - يظل كافيا إلى زمن غير محدود، حتى لو نفدت جميع موارد الفحوم والحفريات، وذلك باستخدام القوى المائية والانتفاع بأحطاب الغابات، ولكن هذا الوقود إذا ازداد عليه الطلب كما رأينا، وامتد الازدياد بعد نفاد البترول فلا مناص للإنسان من اللجوء إلى أنواع من الطاقة غير أنواعها التقليدية، ونعرض لأنواع هذه - الطاقة المحتملة - فنرى أن ما كان منها من قبيل حرارة الأرض وقوى الرياح والتيارات المائية - على أحسن ما يرجى منها - محدود الفائدة، إذ المواقع التي يستفاد فيها من تسخير هذه القوى قليلة اليوم بين أرجاء المسكونة، وهي متى حسبت تكاليفها تبين أنها أقل بكثير مما يتطلبه سكانها، ولنذكر على نطاق واسع أن معولنا الأكبر يزداد شيئا فشيئا على الطاقة المستمدة من الشمس والطاقة النووية، وكلتاهما كما نعلم الآن من الوجهة الفنية ميسور الاستغلال، وإنما المسألة في أيهما أوفر نفعا تئول إلى المسألة الاقتصادية، وقد وضعت تركيبات شتى لتحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء، ولكنها كانت كلها كبيرة النفقة، ففي الأقاليم الحارة يستطاع استبدال الطاقة الشمسية بوقود الحفريات في توليد الكهرباء من تسخين الماء، وينبغي لتحقيق ذلك أن تقام الصفائح المعدنية لاستجماع الأشعة، وربما بلغت نفقات العدد المقامة على كل فدان نحو عشرين ألف دولار، تربى تكاليف كهربائها على جميع التكاليف المعهودة. ويمكن توليد الكهرباء أيضا من تسليط الأشعة على ما يشبه الموصلات الكهربائية
Semi Conductors ، وينتفع بها في بعض الصناعات الصغيرة، ولكن توسيع العمل بها يقتضي من النفقات ما لا يطاق.
وبين وسائل الانتفاع بالطاقة الشمسية غرس الأشجار في الشمس، وإحراق أحطابها، أو تخمير السكر الذي نحصل عليه من غرس القصب والبنجر، ويستخرج منه الكحول أو الغازات والسوائل لاستخدامها في توليد الكهرباء، ولكن الحاجة إلى الأرض المزروعة لتدبير الطعام لا تبقي من مساحاتها بقية تذكر لغرس أشجار الوقود، وثمة وسيلة بارعة وضعت أخيرا لتوليد الطاقة من طحلب يربى في مناطق مشبعة بثاني أكسيد الكربون، ويجمع الطحلب ويخمر لتكوين الميثين والهيدروجين، ثم تحرق هذه الغازات لتوليد الكهرباء، ثم يرد ثاني أكسيد الكربون لتربية الطحلب، ويتأتى بهذه المثابة في الأحوال الملائمة أن يتحول من واحد إلى ثلاثة في المائة من الطاقة الشمسية إلى كهرباء، والجهاز الذي يقام على هذا الأساس يمكن أن نحصل منه على الكهرباء بسعر يتراوح بين سنتين ونصف سنت، وبين خمسة سنتات للكيلووات في الساعة، وتقدر قيمة الوقود السائل المستخرج منه بمائة وخمسين دولارا للطن الواحد، ومع الشك في إمكان مزاحمة الطاقة الشمسية للطاقة النووية في توليد الكهرباء في نطاق واسع، يلوح لنا أنها نافعة جدا في النطاق المحدود، والأرجح أن أهم وجوه النفع من الطاقة الشمسية في المستقبل إنما يقوم على تدفئة الفضاء، ونحن نعلم أن المنازل يمكن أن تبنى في الأقاليم الحافلة بالسكان بحيث يعتمد في تدفئتها على الطاقة الشمسية دون غيرها إلى ما يوازي مدينة بوسطن في الشمال، وربما حالت التكاليف الإضافية اللازمة لتشييد المساكن دون استخدامها على سعة، ولكن المأمول عندما تعلو أسعار الوقود أن يبنى معظم المساكن بحيث تنتفع غاية الانتفاع بالطاقة الشمسية.
وإننا لعلى يقين معقول الآن من إمكان الحصول على الكهرباء من الطاقة النووية بسعر يقل عن سنت واحد للكيلووات في الساعة، «عشرة ملات
Mills »، وفي مؤتمر المصالح السليمة للطاقة النووية الذي انعقد بمدينة جنيف سنة 1955 هبط التقدير إلى أربعة ملات، والمنظور في الولايات المتحدة أن يساوي في المستقبل من أربعة ملات إلى ستة. وقد درس سابير
Sapir ، وفان هيننج
Van Hyning
حالة الطاقة النووية في اليابان، فتبين لهما أنه من الممكن الحصول على الكيلووات في الساعة بسعر عشرة ملات حوالي سنة 1960، وبسعر سبعة ملات حوالي منتصف سنة 1970 تقارب تكاليفه خمسة ملات، ويقابل هذا السعر ستة أو سبعة ملات لما يستخرج من الفحم حديثا في الولايات المتحدة وثمانية عشر ملا في اليابان، ويرى - من ثم - أن الطاقة النووية قد تنافس الفحم في مستقبل غير بعيد، وأنها وشيكة أن تعم أقطار العالم في حينها.
وتختلف الأحوال في معظم بلاد العالم عما هي عليه في الولايات المتحدة فيما يتعلق بوفرة الوقود، فإذا أضيف إلى هذا الاختلاف بعض العوامل الأخرى، كان للفارق مظهر أدعى إلى الالفتات، وأحد هذه العوامل فرق العملة الأجنبية، فإن البلاد التي تعاني أزمة التوريد، وتتكلف الكثير لمقابلة الواردات من الفحم والبترول بما يساوي قيمتها من محصولاتها، قد ينتهي بها الأمر إلى تفضيل الاعتماد على الطاقة النووية مع ارتفاع سعرها، وهناك عامل آخر من عوامل الاختلاف يرجع إلى اجتهاد كل أمة في تدبير وسائل الكفاية الذاتية، وليس تدبير أمر البترول بالأمر الموثوق به، إذ كان شطر كبير من ينابيع بترول العالم كامنا في الشرق الأوسط حيث تغلب الحساسية لأطوار العلاقات الدولية، وكثير من الأمم تحتمل التكاليف العالية لاستخدام الطاقة النووية، وتفضل ذلك على مورد أرخص منها، ولكنه غير مضمون.
অজানা পৃষ্ঠা