ويفهم من المقارنة أن المقصود هو أن يكون من المتيسر رفع نسبة الإنتاج في الأرض الصالحة للزراعة، وأن يتيسر ذلك بنشر المعرفة الفنية، ونشر أدواتها بين أبناء البلاد المتخلفة، وينبغي أن تتيسر المضاعفة - وأكثر من المضاعفة - برفع نسبة الإنتاج هناك إلى مثل نسبتها في بلاد أوروبا الغربية.
ولنسأل: ما مبلغ السرعة التي تترقبها نتيجة لنشر المعرفة الفنية، وأدواتها الفعالة؟ فعلينا لمواجهة هذا البحث أن نراجع مدى التقدم حيث تستخدم هذه الأدوات الآن، فاليابان بدأت فيها الثورة في أساليب الزراعة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وظل عدد سكانها من قبل سنة 1870 ثابتا، كما ثبتت مثله مقادير إنتاج الأرز ومقادير إنتاج المواد الغذائية، ويمكن الرجوع إلى الإحصاءات منذ سنة 1878 إلى الآن، فمن عشرة السبعين ارتفع محصول الأرز ارتفاعا بطيئا مطردا حتى زاد على الضعف خلال فترة من خمسين إلى ستين سنة، وجاء ذلك نتيجة لزيادة غلة المحصول من كل فدان، تبعا لزيادة المخصبات، وزيادة العناية بتوليد النباتات، وقد قوبلت زيادة الغلات اليابانية خلال ربع القرن الأخير - من القرن التاسع عشر وربع القرن الأول من القرن العشرين - بما يوازنها في غلات أوروبا الغربية، فكانت نسبة الزيادة هنا وهناك بمقدار اثنين في المائة كل سنة تؤدي إلى ضعف المحصول بعد خمسين أو ستين سنة، مما يفهم منه أن زيادة الزراعة بطيئة بالقياس إلى زيادة الصناعة، إذ قد علمنا أن محصول الحديد والصلب في اليابان كان يتضاعف كل خمس سنوات خلال هذه الفترة، ولنلاحظ أن الإنتاج الزراعي يترقى من مستوى هابط إلى حده الأعلى، فلم تتغير النسبة إلا قليلا في اليابان منذ سنة 1935 على الرغم من جهود التركيز الفنية.
ففي الماضي إذن كانت زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة اثنين في المائة كل سنة، سواء في آسيا أو أوروبا الغربية، فهل ينتظر الوصول إلى نسبة أكبر من هذه النسبة في المستقبل بعد تقدم المعرفة الفنية، وتقدم وسائل النشر والتلقين؟ وجواب هذا السؤال أننا نعلم فعلا كيف نزيد مقدار الغذاء، وكيف نزيد سرعة إنتاجه، ولكن زيادة غير كبيرة، ففي الولايات المتحدة - مثلا - زاد الإنتاج الزراعي خلال العشرين سنة الأخيرة بنسبة اثنين في المائة كل سنة، بعد ما توافر لدينا من المعرفة بعلوم الحياة وعلوم الزراعة، ووسائل الإرشاد والمشورة، وتكاد نسبة الزيادة في الطعام - على هذا - تضارع نسبة الزيادة في عدد السكان، ومن المعلوم أن سكان الولايات المتحدة يحصلون على الكفاية من الغذاء، فلا تلح الحاجة بتعجيل النظر في مضاعفة المنتجات، فلنوجه النظر إذن إلى بلد معرض لنقص الأرزاق والثمرات.
لقد أفاد برنامج حسن التحضير من مؤسسة روكفلر في زيادة الإنتاج بأرض المكسيك بنسبة ثمانين في المائة خلال عشرين سنة، تعادل أربعة في المائة كل سنة، وقد ارتفعت نسبة الطعام بحساب الفرد الواحد ارتفاعا مناسبا مع تكاثر عدد السكان بنسبة ثلاثة في المائة كل سنة، وهذه الزيادة الملحوظة إنما تيسرت بتوسيع مساحة الأرض المزروعة نتيجة لتحسين الري وتعليم الزراعة، وشتى المباحث الفينة، وحصلت المكسيك في أثناء ذلك على معونة فنية من الولايات المتحدة ساعدت على إنجاز هذا التطور، ومنه نرى مبلغ ما نترقبه - حدا أقصى - للتقدم الزراعي على الأقل في حالة الافتقار إلى التطورات الاجتماعية. أما البلاد الآسيوية فقد كان التقدم فيها دون هذا في السرعة، ولم تتجاوز نسبته نسبة الزيادة في عدد السكان إلا بشيء يسير، ويصدق هذا حتى على بلاد كالهند بذلت فيها ولا تزال تبذل مجهودات قوية لتحسين أحوال التغذية، إذ يبلغ المال المخصص للزراعة في مشروع السنوات الخمس نحو خمس نفقات المشروع كله، فتقررت أعمال الري، وأنشئت معامل السماد، ونشرت دروس التعليم، وأدت هذه الجهود إلى زيادة نحو خمس عشرة في المائة، أي بمعدل ثلاثة في المائة كل سنة، ولا يزال نصيب أهل الهند من الغذاء مع هذا أقل مما كان قبل الحرب العالمية الثانية، إذ بقي إنتاج الطعام على حاله اثنتي عشرة سنة قبل الابتداء في مشروع السنوات الخمس على حين كان عدد السكان مستمرا في الزيادة.
وقد علم من جداول الإحصاء والمقابلة أن زيادة الإنتاج بوسائل الزراعة التقليدية لا تزال ترتفع حتى تنتهي إلى مستوى يصعب المزيد عليه. فمما يسوغ لنا الأمل في مضاعفة الغلات أن كثيرا من المساحات الزراعية في العالم لا تزال بحالتها الهابطة قابلة للمزيد من التحسين، فكم من الناس على ظهر الكرة الأرضية نستطيع أن نزودهم بالمئونة الكافية بعد الانتهاء إلى الحد الأقصى؟
بعد تذليل الصعوبات الإقليمية في مناطق الأرض المختلفة، يمكن تقدير المساحة التي يتم استصلاحها بنحو بليون فدان، تظهر فوائدها الكبرى في القارتين الأمريكتين؛ حيث تزداد المساحة بمقدار خمسين أو ستين في المائة، وأقل من ذلك فوائدها للقارة الآسيوية؛ حيث تقدر الزيادة بثلاثين في المائة، فإذا تم ارتفاع الإنتاج في هذه المساحات على النسبة المعهودة بالقارة الأوروبية، بلغ محصولها نحو ضعفي محصول الكرة الأرضية في الوقت الحاضر، واحتاج إتمام العمل فيه إلى زمن يتراوح بين ثلاثين وخمسين سنة، وإلى مقدار من المال يبلغ نحو خمسمائة بليون دولار، تنفق لإقامة مراكز الإرشاد على جوانب الكرة الأرضية، وإنشاء معامل السماد ونشر التعليم، ويكفي المحصول - متى تمت جميع هذه المجهودات - لتموين عدد من السكان يتراوح بين أربعة بلايين أو خمسة، وهذا على اعتبار أن سكان آسيا يظلون في تغذيتهم مكتفين بنسبة قليلة من المواد الحيوانية، وأن سائر سكان العالم يظنون مكتفين بتمثيل عشرين في المائة من أسعار الحرارة في الأغذية الحيوانية، وهو مقدار مناسب ملائم للصحة، وإن لم يكن على أحسن ما يشتهى في ألوان الطعام.
ولكن ماذا ينتظر متى بلغت غلة الفدان في العالم ما يقارب غلته في أوروبا الغربية؟ هل لنا أن نأمل مزيدا من ارتفاع النسبة على أساس التجربة في اليابان؟ قد نجازف بجواب عن هذا السؤال، وننتظر مضاعفة النسبة بالاعتماد على مزيد من التركيز، واستخدام التجارب العلمية، والإكثار من جهود الأيدي العاملة، فإذا تأتى لنا بهذه الوسائل أن نرفع النسبة في ثلث المساحة المزروعة من الكرة الأرضية، وأن نبلغ بثلثيها ما يعادل النسبة الحاضرة في أوروبا الغربية أمكننا - نظريا - أن نزود بالمئونة عددا يتراوح بين سبعة بلايين وثمانية على معدل مناسب من التغذية الصالحة.
والخلاصة أن توفير الأزواد الغذائية مستطاع بالتوسع في تطبيق الأساليب الفنية، وأن مضاعفة الغلات الزراعية تتأتى بزيادة الري، وزيادة المخصبات، وزيادة المطهرات من الحشرات وجراثيم الآفات، وزيادة التحسين في أنواع النبات، وزيادة التركيز على المثال المتبع في اليابان. ونسبة هذه الزيادة في السنة بين اثنين وأربعة في المائة كل سنة، ينبغي أن تجري على وتيرة الزيادة في عدد سكان العالم، ومتى وصلنا إلى هذا المستوى في زمن يقدر بما بين خمس وسبعين سنة ومائة سنة يكون عدد السكان قد بلغ مستوى الاستقرار.
وكل هذا عن الأطعمة التقليدية ووسائل التحضير الشائعة في الري والزراعة.
غير أننا نستطيع أن نعالج بالكيمياء أجزاء من النبات تنبذ، ولا تؤكل من قبيل الخشب والهشيم. ومن الممكن أن تعالج هذه النفايات بالأحماض الحارة؛ فنجني منها شرابا عسليا بمقدار النصف من زنتها، ويكلفنا ذلك عشرة أمثال تكاليف العسل الذي نستخرجه من السكر والبنجر، بل يمكن بعد ذلك أن تعالج هذه الأشربة بالخمائر لنجني منها مادة غنية بالبروتين، كما أن الخمائر المستخرجة من العسل تصلح لتغذية الإنسان.
অজানা পৃষ্ঠা