কায়রো
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
জনগুলি
ومن أحسن الكتابات الناقدة ما كتبه الطبيب ابن رضوان
27
عن مساوئ موقع الفسطاط. ويحتاج الأمر إلى ذكر شبه كامل للنص نقلا عن «خطط» علي مبارك.
قال ابن رضوان: «... [الفسطاط الجبل] المقطم في شرقيها وبينها وبينه المقابر، ... [و] الجبل في شرقيه يعوق ريح الصبا عنه، وأعظم أجزاء الفسطاط في غور، فإنه يعلوه من الشرق المقطم وكذا من الجنوب الشرقي، ومن الشمال المكان المعروف بالموقف والعسكر وجامع ابن طولون ... المواضع المتسفلة أسخن من المواضع المرتفعة وأردأ هواء لاحتقان البخار فيها ... وأزقة الفسطاط وشوارعها ضيقة وأبنيتها عالية ... ومن شأن أهل الفسطاط أن يرموا ما مات في دورهم من السنانير والكلاب ونحوها من الحيوانات التي تخالطهم في شوارعهم وأزقتهم، فتتعفن ويخالط عفونتها الهواء، ومن شأنهم أيضا أن يرموا في النيل الذي يشربون منه فضول الحيوانات وجيفها، وتصب فيه خرارات كنفهم، وربما انقطع جري الماء فيشربون هذه العفونة باختلاطها بالماء. وفي خلال الفسطاط مستوقدات عظيمة يصعد منها في الهواء دخان مفرط، وهي أيضا كثيرة البخار؛ لسخونة أرضها حتى إنك تجد بها الهواء في أيام الصيف كدرا ... يعلوها في العشيات بخار كدر أسود لا سيما عند سكون الرياح.»
ولا شك في وجود جانب كبير من الصحة في كلام ابن رضوان. لكننا نرى أنه بالغ في تأثير كتلة جبل المقطم شرقي الفسطاط وجنوبها، ففي الجنوب كتلة تلية منخفضة نسبيا تسمى الرصد قد لا تعلو إلى أكثر من 40-45 مترا، وقد ذكرها المقريزي على أنها: «... شرف - بمعنى: جرف مشرف - يطل من غربيه على راشدة، ومن قبليه على بركة الحبش، فيحسبه من رآه من جهة راشدة جبلا وهو من شرقيه سهل يتوصل إليه من القرافة بغير ارتقاء ولا صعود ... وكان يقال له قديما: الجرف، ثم عرف بالرصد؛ [لأن ابن بدر الجمالي] أقام فوقه كرة لرصد الكواكب.»
28
ولعل وجود المدافن - القرافة - إلى الشرق من الفسطاط سبب في صدور بعض الروائح غير المحببة، والواضح أن ارتفاع مباني المدينة خمسة إلى سبعة طوابق مع وجود طرق وأزقة ضيقة ملتوية المسارات؛ سبب حقيقي في ركود الهواء أو قلة الريح، وهو سبب من صنع الإنسان في هذا المجال الضيق للمدينة، وبخاصة لكثرة المستوقدات التي ترسل دخانا أسود بسبب نوع الوقود المستخدم، وغالبه حطب ونباتات. وبالإضافة إلى ذلك فإن تغير منسوب النيل بين الفيضان والنقصان يؤدي إلى تكوين مياه آسنة في فترة التحاريق تجعلها موطنا لأسراب كبيرة من الناموس والهاموش وغيرهما من الحشرات الطيارة والصراصير والجرذان ... إلخ. ولهذا فإن الفسطاط كانت معرضة للأمراض المتوطنة، وللأوبئة التي يتكرر حدوثها، وتكثر ضحاياها، وتكثر معها هجرة الناس منها كما حدث حين تركها الوالي عبد العزيز بن مروان (689م)، وسكن حلوان هربا من الطاعون. وبذلك تتكون بيئة غير صحية تتضاعف بممارسات السكان في إلقاء المخلفات وماء الصرف في النهر الراكد. ولكن - للعلم - فإن النيل شأنه شأن أنهار كثيرة، ينظف نفسه سنويا بما يأتيه من مياه الفيضان سواء كان عاليا أو عاديا، وبعبارة موجزة: فإن بيئة الفسطاط كانت سيئة باشتراك بعض عوامل طبيعية والكثير من العوامل البشرية. وعلى هذا فإن ملاحظات ابن رضوان في جملتها تجعله من أوائل أنصار البيئة بمفهومنا الحالي، وتجعلنا ننظر إليه من هذا المنظور المتميز. وقد أبدى عبد اللطيف البغدادي ملاحظات مماثلة عن سوء موقع الفسطاط، وذلك أثناء عهد صلاح الدين الأيوبي؛ أي بعد فترة من كتابات ابن رضوان التي ربما كان البغدادي قد تأثر بها، فقد كانت الفسطاط في ذلك العهد بسبيلها إلى الفناء.
وبرغم هذه المضار البيئية، فإن ذلك لم يمنع من مظاهر الثراء والعز والنشاط الاقتصادي الواسع الذي كانت تنعم به مصر الفسطاط. (2-8) العسكر
الأغلب أن كثافة السكن كانت سببا في زحف عمران المدينة إلى المناطق الأعلى بعيدا عن النهر، كما حدث في اختيار الولاة العباسيين الحمراء القصوى - ربما منطقة البغالة الحالية على حافة تلال زينهم - مكانا لبناء عاصمة سياسية لهم باسم «العسكر» نحو سنة 750 ميلادية، ولأن «العسكر» أزيلت بعد ذلك بالإهمال أو التعمد خلال أواخر العصر الفاطمي، فإنه لا يمكننا أن نتعرف على خطة هذه المدينة على وجه اليقين، وإن كان الأغلب أنها بنيت على مخطط شبكي على نحو ما نراه الآن في مخطط حي البغالة إلى الجنوب من مسجد السيدة زينب. (3) العواصم المستقلة: القطائع والقاهرة (3-1) القطائع
حينما استقل أحمد بن طولون بولاية مصر عن العباسيين اتجه إلى قلعة الكبش شمال شرقي العسكر وتحت السفوح في مكان القلعة الحالية؛ ليبني فيها مقرا لمدينته الجديدة، وكان ذلك بعد نحو قرن من تاريخ بناء العسكر.
অজানা পৃষ্ঠা