وجعلت حول تلك البركة أصناما من حجارة ملونة، على صور الحيوانات من الوحش والطير والبهائم فكان كل جنس يأتي إلي صورته ويألفها فيؤخذ باليد وينتفع به.
وعملت لولدها متنزها لأنه كان يحب الصيد، فجعلت فيه مجالس مركبة على أساطين من مرمر مصفحا بالذهب، مرصع بالجواهر والزجاج الملون، وزخرفته بالتصاوير العجيبة والنقوش، فكان الماء يطلع من فورات، وينصب إلي أنهار قد صفحت الفضة تجرى إلي حدائق فيها بديع الفروشات، وقد أقيم حولها تماثيل تصفر بأصناف اللغات، وأرخت علي المجالس ستورا من ديباج، واختارت لولدها من حسان بنات عمه وبنات الملوك وأزوجته، وحولته إلى هذه الجنة، وبنت حول تلك الجنة مجالس للوزراء والكهنة وأشراف أهل الصناعات، فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه، فإذا فرغوا من أعمالهم، حمل إليهم الطعام والشراب.
وكان ميلاطس تقلد الملك بعد أبيه [ق 36 ب] وهو صبي وكانت أمه مدبرة الملك- وهي حازمة مجربة- فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه، وأحسنت وعدلت في الرعية، ووضعت عنهم بعض الخراج.
وكانت أيامه سعيدة كلها في الخصب الكثير والسعة للناس والعدل. وكان له يوم يخرج فيه إلي الصيد، ويرجع إلي جنته فيأمر لكل من معه بالجوائز والأطعمة ويجلس للنظر يوما في مصالح الناس وقضاء حوائجهم، ويخلو يوما بنسائه.
وكان ملكه ثلاث عشرة سنة فلما هلك من بعده فرسول بن قليمون بن أتريب فعمل منارا على بحر القلزم وعلي رأسه مرآة تجتذب [بها] المراكب إلي شاطىء البحر فلا يمكنها أن تبرح إلا أن تعشر، فإذا عشرت سارت. ولما مات دفن خلف الجبل الأسود الشرقى، وكان ملكا حكيما محبا للنجوم والعلوم والحكمة فعمل في أيامه درهم إذا ابتاع [به] صاحبه شيئا اشترط أن يزن له يبتاعه منه بوزن الدرهم، ولا يطلب عليه زيادة فيغتر البائع بذلك ويقبل منه الشرط فإذا تم ذلك بينهما، ووقع الوزن بالدرهم فيدخل قبالته جميع الأصناف [ق 37 أ] ولا تعد له ، وقد وجد هذا الدرهم في كنوزهم، ثم في خزائن بني أمية وكان الناس يتعجبون.
ووجدوا دراهم أخر قيل أنها عملت في وقته أيضا، ومن شأن هذا الدرهم إذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ ذلك الدرهم وقبله وقال له: أذكر العهد وابتاع به ما أراد. فأذا أخذ
পৃষ্ঠা ৫১