[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم [ق 2 أ]
الحمد لله الذي عرف وفهم، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم واسبغ (1) علي عباده نعما باطنه وظاهره، ووالي عليهم من مزيد الائه مننا متظافرة متواترة، وبثهم في أرضه حينا يتقلبون، واستخلفهم في ماله فهم به يتنعمون، وهدي قوما إلي اقنتاص شوارد (2) المعارف والعلوم، وشوقهم للتفنن في مسارح التدبر والركض (3) بميادين الفهوم، وأرشد قوما إلى الانقطاع من دون الخلق إليه، ووفقهم للاعتماد في كل أمر عليه، وصرف أخرون عن كل مكروه وفضيلة، وقيض لهم قرنا قادوهم إلى ذميمة من الأخلاق ورذيلة، وطبع على قلوب أخرين، فلا يكادون يفقهون قولا، وثبطهم عن سبل الخيرات فما استطاعوا قوة ولا حولا، ثم حكم على الكل بالفناء، ونقلهم جميعا من دار التمحيص (4) والإبتلاء إلى برزخ (5) البيود والبلاء، وسيحشرهم أجمعين إلى دار الجزاء، ليوفى كل عامل منهم عمله، ويسأله عما أعطاه وخوله، وعن موقفه بين يديه سبحانه وما أعدله لا يسأل عما يفعل [ق 2 ب] وهم يسألون.
أحمده سبحانه حمد من علم، أنه إله لا يعبد إلا إياه، ولا خالق للخلق سواه، حمدا يقتضى المزيد من النعماء ويوالى المنن بتجدد الآلاء. وصلى الله على سيدنا محمد عبده ونبيه ورسوله وخليله سيد البشر، وأفضل من مضي وغبر، الجامع لمحاسن الأخلاق والسير،
পৃষ্ঠা ৯
والمستحق لاسم الكمال على الأطلاق من البشر، الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين، ورقم اسمه من الأزل في عليين، ثم نقل من الأصلاب الفاضلة الزكية إلي الأرحام الطاهرة المرضية، حتى بعثه الله عز وجل إلي الخلائق أجمعين، وختم به الأنبياء والمرسلين أعطاه ما لم يعط من الفضل أحدا من العالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وبعد ..
فأني لما طالعت كتب تواريخ الأمم الخالية ورأيت ما فيها من العجائب المتوالية، استخرت الله (1) أن أجمع كتابا لطيفا أذكر فيه من أغرب ما سمعته، وأعجب ما رأيته قاصدا فيه الاختصار لكي لا يطول فى التأليف مجموعة، وفى المثل الساير أقصر الكلام منفوعه، وقد ذكرت فيه من عجائب مصر وأعمالها، وما صنعت الحكماء فيها من الطلسمات [ق 3 أ] المحكمة والبرابى والأهرام وغير ذلك، وذكرت طرف يسيرة من سير ملوكها، وذكر شىء من عجائب نيلها، وذكر شيء من خططها وآثارها، وذكر سعت أقليمها وأقطارها، وقد ذكرت في كتابي من أجل ما سطره، وأفخر ما ذكره قاصدا فيه الاختصار كما تقدم، وسميته «نزهة الأمم فى العجائب والحكم» والمستعان بالله فى المبدأ والختام ..
ومن هنا نشرع في الكلام على مبتدأ خلقة الأرض في الأزل، وما فيها من عجائب صنع الله عز وجل.
أقول الجهات من الأرض ستة، وهى الشرق حيث تطلع الشمس والقمر وسائر الكواكب فى كل قطر من الأفق، والغرب وهو حيث تغرب فيه، والشمال وهو حيث مدار الجدى والغرقدين، والجنوب وهو حيث مدار سهل وهو ما يلى السماء والتخت وهو ما يلى كرة الأرض.
والأرض جسم مستدير كالكرة وقيل ليست بكرية الشكل، وهي واقعة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها. والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمح في البيضة. وذهب الجمهور إلي أن الأرض كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة وأنها في
পৃষ্ঠা ১০
الوسط وبعدها في الفلك من جميع الجوانب علي التساوي، وزعم هشام بن الحكم (1) أن تحت الأرض [ق 3 ب] جسما من شأنه الأرتفاع، وهو المانع للأرض من الأنحداد وهو ليس محتاجا إلى ما نعهده، لأنه ليس بطلب الانحدار، بل الأرتفاع.
وقال أخرى: وافقه علي مدار واحد من كل جانب والقلك يجد بها من وجه، فلذلك لا يميل إلي ناحية من الفلك دور أخرى، لأن قوة الأجزاء متكافية وذلك كحجر المغناطيس في جذبه للحديد، فإن الفلك بالطبع مغناطيس الأرض فهو يجذبها، فهي واقفة في الوسط، وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدور الفلك ودفعه أياها من كل جهة إلى الوسط، كما إذا أوضعت ترابا في قارورة، وادرتها بقوة فإن التراب يقوم في الوسط. وقد اختلف الناس في مسافة الأرض، فقيل مسافتها خمسمائة عام ثلث عمران وثلث خراب وثلث بحار، وقيل المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة تسعون لياجوج ومأجوج، وأثنا عشر للسودان وثمانية للروم وثلاثة للعرب، وسبعة لسائر الأمم. وقيل الدنيا سبعة أجزاء ستة ليأجوج ومأجوج وواحد لسائر الناس.
وقال ازدشير بن بابل (2): الأرض أربعة أجزاء، جزء منها للترك وجزء للعرب وجزء للفرس وجزء للسودان، وقيل الأقاليم سبعة والأطراف أربعة، والنواحى خمسة وأربعون [ق 4 أ] والمدائن عشرة آلاف مدينة، والرساتيق مائتا ألف وستة وخمسون ألفا، وقيل المدن والحصون أحد وعشرون ألفا وستمائة مدينة،
ففى الأقليم الأول: ثلاثة آلاف ومائة مدينة وقرية كبيرة. وفى الأقليم الثانى:
ألفان وسبعمائة وثلاثة عشر مدينة وقرية كبيرة. وفى الأقليم الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون مدينة وقرية كبيرة، وفى الأقليم الرابع: وهو (بابل) ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون
পৃষ্ঠা ১১
مدينة وقرية كبيرة. وفي الأقليم الخامس: ثلاثة آلاف مدينة وست مدن. وفي الأقليم السادس ثلاثة آلاف وأربعمائة مدينة وثمان مدن. وفي الأقليم السابع ثلاثة آلاف مدينة وثلاثة مدينة فى الجزاير ..
وقال في كتاب هروشيش (1): لما استقامت طاعة يوليش الملقب قيصر الملك في عامة الدنيا، تخير أربعة من الفلاسفة فأمرهم أن يأخذوا له وصف حدود الدنيا وعدة جبالها وبحارها وكورها أرباعا، فولى أحدهم أخذ وصف جزء المشرق، وولى آخر أخذ وصف جزء المغرب، وولى آخر أخذ وصف جزء الشمال، وولى آخر وصف جزء الجنوب، فتمت كتابة الجميع على أيديهم في نحو من ثلاثين سنة، فكانت جملة البحار المسماة في الدنيا تسعة وعشرون بحرا منها في جزء المشرق [ق 4 ب] ثمانية وفى جزء الغرب ثمانية، وفى جزء الشمال أحد عشر وفي جزء الجنوب أثنان، وعدة الجزاير المعروفة إحدى وسبعون جزيرة، منها فى الشرق ثمانية، وفي الغرب ستة عشر، وفي جهة الشمال أحد وثلاثون، وفي جهة الجنوب ستة عشر.
وعدة الجبال الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وثلاثون جبلا منها في الشرق سبعة، وفي الغرب خمسة وعشرون، وفى الشمال أثني عشر، وفي الجنوب أثنان.
والبلدان الكبار ثلاثة وستون بلدا منها في الشرق سبعة وفي الغرب خمسة وعشرون، وفي الشمال تسعة عشر، وفي الجنوب أثنى عشر ..
والكور الكبار المعروفة تسع ومائتان كورة، منها في الشرق خمس وسبعون، وفي الغرب ستة وستون، وفي الشمال ستة، وفي الجنوب أثنان وستون كورة.
والأنهار الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وخمسون نهرا، منها لجزء الشرق سبعة عشر. ولجزء الغرب ثلاثة عشر ولجزء الشمال تسعة عشر ولجزء الجنوب سبعة.
والأقاليم السبعة كل أقليم منها كأنه بساط قد مد طوله من المشرق وإلى المغرب وعرضه من الشمال إلى الجنوب. وهذه الأقاليم مختلفة الطول والعرض.
وبالجملة هذه [ق 5 أ] الأقاليم خطوط متوهمة لا وجود لها في الخارج، وقد وضعوها القدماء الذين جالوا في الأرض ليقفوا علي حقيقة حدودها، ويتيقنوا مواقع البلدان منها ويعرفوا طرق مسالكها، هذا حال الربع المسكنون، وأما الثلاثة أرباع الباقية قأنها خراب فجهة الشمال واقعة تحت مدار الجدي فكذا فرط هناك البرد وصار ستة أشهر ليلا مستمرا،
পৃষ্ঠা ১২
وهى مدة الشتاء وعندهم لا يعرف فكذا فرط هناك البرد وصار ستة أشهر ليلا مستمرا، وهي مدة الشتاء وعندهم لا يعرف فيها نهار ويظلم الهواء فيها ظلمة شديدة، وتجمد المياة لقوة البرد فلا يتكون هناك نبات ولا حيوان، ويقابل هذه الجهة الشمالية ناحية الجنوب حيث مدار سهل فيكون النهار ستة أشهر، نهار بغير ليل، وهى مدة الصيف عندهم فيحمي الهواء ويصير سموما محرقا يهلك بشدة حرة الحيوان والنبات، فلا يمكن سلوكه ولا السكن فيه.
وأما ناحية الغرب فيمنع البحر المحيط من السلوك فيه لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته، وأما ناحية الشرق يمنع من سلوكه الجبال الشامخة وصار الناس بأجمعهم قد انحصروا فى الربع المسكون من الأرض ولا علم لأحد منهم بالثلثة أرباع الباقية والأرض كلها بجميع ما عليها من الجبال والبحار نسبتها إلي الفلك كنقطة في دائرة [ق 5 ب] وقد أعتبرت حدود الأقاليم السبعة بساعات النهار، وذلك أن الشمس إذا دخلت بربع الحمل يساوي طول النهر والليل في سائر الأقاليم كلها، فإذا انتقلت في درجات برج الحمل والثور والجوزاء، وأختلفت ساعت نهار كل أقليم فإذا بلغت أخر الجوزاء.
وأول برج السرطان بلغ طول النهار في وسط الأقليم الأول ثلاث عشرة ساعة سواء، وصارت في وسط الأقليم الثانى ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة، وفي وسط الأقليم الثالث أربع عشرة ساعة، وفي وسط الأقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الأقليم الخامس عشرة ساعة ونصف ساعة، وفى وسط الأقليم السادس خمسة عشر ساعة ونصف ساعة، وفي وسط الأقليم السابع ستة عشرة ساعة سواء، وما زاد على ذلك إلي عرض تسعين درجة يصير نهارا كله، ومضى طول البلد من أقصى العمارة في الغرب وعرضها من خط الأستواء، وخط الأستواء هو الموضوع الذي يكون فيه الليل والنهار طول الزمان هو أفكل بلد علي هذا الخط لا عرض له، وكل بلد في أقصي الغرب لأطول [ق 6 أ]. ومن أقصي الغرب إلي أقصي الشرق مائة وثمانون درجة، وكل بلد يكون طوله تسعين درجة فإنه في الوسط ما بين الشرق والغرب، وكل بلد كان طوله أقل من تسعين درجة فأنه أقرب إلى الغرب وبعد من الشرق، وما كان طوله من البلاد أكثر من تسعين درجة فإنه أبعد عن الغرب، وأقرب من الشرق وقد ذكر يعض القدماء أن العالم السفلي مقسوم علي سبعة أقسام، كل قسم يقال أيضا كما في أعلا الأرض.
***
পৃষ্ঠা ১৩
ذكر حدود أرض مصر وجهاتها وأقطارها على سبيل الاختصار
أعلم أن التحديد هو صفة المحدود وهو نهاية الشيء. قال أبو الصلت (1) أمية الأندلسي:
أن حد مصر في الطول من مدينة برقة التي في جنوب البحر الرومي إلي إيلة (2) من ساحل الخليج، الخارج من بحر الحبشة والزنج (3) والهند والصين، ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما، وحدها في العرض من مدينة أسوان وأعمالها من الصعيد الأعلى المزاحم لأرض النوبة إلي رشيد وما حاداها من مسافة النيل في البحر الرومي، ومسافة ذلك من ثلاثين يوما ويكنفها في العرض إلي منتهاها جبلان أحدهما في الضفة الشرقية من النيل وهو من المقطمة والآخر من الضفة الغربية وضيعهما من لدن أسوان إلى أن ينتهيا إلي الفسطاط، إلي حين ويمر بسبع مسافة ما بينهما، وينفرج قليلا تأخذ المقطمة منها شرقا والآخر مغربا، ثم يتسع في أرض مصر من الفسطاط إلي ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنيس ودمياط ورشيد والأسكندرية، ومن هنا ينقطع في عرضها الذي هو مسافة ما بين أويلها في الجنوب [وأوغلها] (4) في الشمال.
***
পৃষ্ঠা ১৪
ذكر بحر القلزم وما فى من العجائب
أعلم أن هذا البحر فما عرف في ناحية ديار مصر بالقلزم، لأنه كان بساحله الغربي في شرقى أرض مصر مدينة تسمى القلزم، وقد خربت فسمى هذا البحر باسم تلك المدينة، وهذا البحر إنما هو خليج من البحر الكبير المحيط بالأرض الذي يقال بحر اقيانس، ويعرف أيضا بحر الظلمات لتكاثف المياه المتصاعدة منه وضعف الشمس عن حله، فيغلظ وتشتد الظلمة فيه وتعظم أمواجه وتكثر أهواله، ولم يقف أحد علي خبره سوى على ما عرف من بعض سواحله وما قرب من جزائره، وقد قيل فيه ست جزائر (1) يسكنها قوم متوحشون. وفي جانب هذا البحر الشرقي مما يلي الصين [ق 7 أ] ست جزائر أيضا تعرف بجزائر السبلى وقد نزل بها بعض العلويين في [أول] الرسلام خوفا على أنفسهم من القتل.
ويخرج من هذا البحر المحيط ستة أبحر أعظمها أثنان وهما اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله: مرج البحرين يلتقيان (2) الآية. وقوله وجعل بين البحرين حاجزا (3) فأحدهما من جهة الشرق والأخر من جهة الغرب. فالخارج من جهة الشرق يقال له البحر الصينى والهندى والفارسي واليمني والحبشي بحسب ما يمر عليه من البلدان. وأما الخارج من الغرب فيقال له البحر الرومى.
***
পৃষ্ঠা ১৫
ذكر بركة غرندل
أعلم أن أيلة (1) مكانا كان يعرف قديما بمدينة أيلة، ومكانا أيضا بمدينة فاران (2)، وعندها جبل لا يكاد ينجو منه مركب لشدة إختلاف الريح وقوة ممرها من بين شعبتي جبلين، وهي بركة سعتها ستة أميال تعرف ببركة الغرندل، ويقال أن فرعون غرق فيها، فإذا هبت ريح الجنوب لا يمكن سلوك هذه البركة. ويقال أن الغرندل اسم صنم كان في القديم هناك، قد وضع ليحبس من خرج من أرض مصر مغاضبا للملك، أو فارا منه وأن موسى (عليه السلام) لما خرج ببنى إسرائيل من مصر، وسار بهم مشرقا أمره الله تعالى [ق 7 ب] أن ينزل تجاه هذا الصنم، فلما بلغ ذلك فرعون ظن أن الصنم قد حبس موسى ومن معه من بنى إسرائيل، كما يعهدون من الصنم قديما فخرج بجنوده في طلب موسي وقومه ليأخذهم بزعمه، فكان من غرقه ما قصته مشهورة.
*** ذكر البحر الرومى
ولما كانت عدة بلاد من أرض مصر ملطة على البحر الرومي كمدينة وإسكندرية ودمياط وتنيس والفرما والعريش وغير ذلك. وكان حد أرض مصر في الجهة الشمالية إلي هذا البحر، وكان النيل يصب فيه فحسن أن نذكر شيئا من أخباره، وقد تقدم في الأقاليم أن يخرج البحر الرومي من جهة الغرب، وهو يخرج في الأقليم الرابع بين الأندلس والغرب وسائرا إلي القسطنطينية، ويقال إن هركنش (3) الجبار حفره وأجراه من البحر المحيط الغربي، وأن جزيرة الأندلس وبلاد البربر كانت أرضا واحدة يسكنها الأشبان والبربر، وكان بعضهم يغير على بعض إلي أن ملك هركنش الجبار بن ملك بن سلقوس بن اغريقش بن دوبان فرغب
পৃষ্ঠা ১৬
إليه [ق 8 أ] الأشبان في أن يجعل بينهم وبين البربر خليجا من البحر يمكن به احتراز كل طائفة عن الأخري، فحفر زقاقا طوله ثمانية عشر (1) ميلا في عرض أثني عشر ميلا، وبني بجانبيه السكرين وعقد بينهما قنطرة، يجاز عليها وجعل عندها حرسا يمنعون من البربر الجواز عليها إلا بإذن منه، وكان قاموس البحر أعلى من أرض هذا الزقاق فطما الماء حتى غيطي السكرين مع القنطرة، وساق بين يديه بلادا كثيرة، وطغي علي عدة بلاد، ويقال أن المسافرين في هذا الزمان بالبحر يخبرون أن المراكب في بعض الأوقات يتوقف سيرها مع وجود الريح، فيجد دون المانع لها لكونها قد سلكت بين شرافات السور وبين حايطين القنطرة، ثم عظم هذا الرفاق في الطول والعرض حتي صار بحرا عرضه ثمانية عشر ميلا.
ويذكرون أن البحر إذا جزر تري القنطرة فيه، وهذا الزقاق صعب السلوك شديد الهول متلاطم الأمواج، وهذا البحر من هذا الزقاق مشرقا في بلاد البربر وشمال الغرب الأقصي إلي أواسط بلاد المغرب علي أفريقية وبرفة وإسكندرية وشمال اليته وأرض فلسطين وسواحل بلاد الشام، ثم يعطف من هناك إلي العلايا وانطاكية (2) إلي ظهر بلاد القسطنطينية حتي ينتهي إلي البحر المحيط الذى خرج منه، وطول هذا البحر [ق 8 ب] خمسة آلاف ميل، وقيل ستة آلاف ميل وعرضه من سبعمائة ميل إلي ثلاثمائة ميل، وفيه مائة وسبعون جزيرة عامرة فيها أمم كثيرة منها صقالية وبيروقة واقربطش (3) وقباله البحر الهندى من جهة المغرب بحر خارج من المحيط في مغرب بلاد الزنج ينتهى إلي قريب من جبل القمر، وفيه مصب النيل المار علي بلاد الحبشة، وفي أسفله جزائر الخالدات التي هي منتهي الطول فيالمغرب، وبقابل البحر الشامي من ناحية المشرق وبحر جرجان، وقيل أنه متصل بالبحر امحيط من بين جبال شاقة وبحر الصقالب، يخرج من جهة المغرب بين الأقليم السادس والأقليم السابع وهو متسع فيه جزائر كثيرة، منها جزيرة الأندلس إلا أنها متصلة بالبر الكبير، وهو جبل كالذراع يتصل بهذا البر عند برسلونة، ولهم بحر يعرف بيأجوج ومأجوج وهو غزير وفيه عجائب كثيرة.
পৃষ্ঠা ১৭
وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى (1) في كتاب «تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن» وقد كان حرص بعض ملوك الفرس على من كان بمصر على أن يحفروا ما بين البحرين القلرم والرومي [ق 9 أ] ويرفعوا البرزخ من بينهما، وكان أولهم شاسيس بن طراطيس الملك، ثم من بعده دارنوش الملك، فلم يتمكن لهم ذلك لأرتفاع ماء القلزم على أرض مصر.
فلما كانت دولة اليونانيين جاء بطليموس الثالث ففعل ذلك على يد الملك ارسمدس بحيث يحصل الغرض بلا ضرر. فلما كانت دولة الروم القياصرة طموه منعا لمن يصل إليهم من أعدائهم.
وذكر بعض أصحاب السير من الفلاسفة أن ما بين الأسكندرية وبلادها وبين القسطنطينية كان في قديم الزمان أرضا تنبت الجميز، وكانت مسكونة وخمة الأرض، وكان أهلها قوما من اليونان، وأن الإسكندر خرق إليها البحر فغلب على تلك الأرض. كان بها فيما يزعمون أن الطائر الذى يقال له القفنس، وهو طائر حسن الصوت وإذا حان موته زاد حسن صوته قبل ذلك بسبعة أيام، حتى لا يمكن أحد أن يسمع صوته لأنه يغلب علي قلبه من صوته ما يميت السامع، وأنه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصباح، وزعموا أن الموسيقى من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت قفنس في تلك الحال، فخشي أن يقتله حسن صوته فسد أذنيه [ق 9 ب] سدا محكما ثم قرب إليه فجعل بفتح من أذنية شيئا بعد شيء حتي استكمل فتح الأذن في ثلاثة أيام إلي أن وصل إلي سماعه رتبة بعد رتبة، وزعموا أن ذلك الطائر هلك ولم يبق منه ولا من فراخه شىء لهجومه ماء البحر عليه وعلى فراخه بالليل في الأوكار، فلم يبق له ولا لفراخه بقية. ويقال أن بعض الفلاسفة أراد ملك من الملوك قتله فأعطاه قدحا فيه سم ليشربه، وأعلمه بذلك فظهرت منه مسرة وفرح، فقال له: ما هذا أيها الحكيم؟
فقال هل أعجز أن أكون مثل قفنس.
পৃষ্ঠা ১৮
ذكر اشتقاق مصر ومعناها وتعداد أسماءها
ويقال كان اسمها في الدهر الأول قبل الطوفان «جزله»، ثم سميت «مصر»، وقد اختلف أهل العلم عن المعني الذي من أجله سميت هذه الأرض بمصر. فقال قوم سميت بمصر ابن مركابيل بن دوابيل بن عريان بن آدم (عليه السلام)، وهو مصر الأول، وقيل، بل سميت بمصر الثانى وهو مصرام بن نقراوش الجبار بن مصريم بن تيصر بن حام بن نوح (عليه السلام) وذلك بعد الطوفان وهو اسم أعجمي لا ينصرف.
وقال آخرون هو اسم عربي مشتق فأما من ذهب إلي [ق 10 أ] أن مصر اسم أعجمى فأنه أستدل إلي ما رواه أهل العلم بالأخبار من نزول مصريم بن بنيصر بهذه الأرض، وقسمها بين أولاده فعرفت به.
وذكر أبو الحسن المسعودى (1) في كتاب أخبار الزمان: أن بني نوح (عليه السلام) لما تحاسدوا وبغي بعضهم علي بعض، ركب نقراوش في نيف وسبعين من كبار قومه جبابرة، وكلهم يطلبون موضعا من الأرض يقطنون فيه، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلي النيل، فلما طالوا في المشي رأوا سعة البلد وحسنها أعجبهم، وقالوا: هذا بلد زرع وعمارة أقاموا فيه واستوطنوه وبنوا فيه الأبنية المحكمة والمصانع العجيبة، وبني نقراوش مصر، ونزل بها فلم يزل مطلعا.
পৃষ্ঠা ১৯
وقد كان وقع إليه من العلوم التى كان رواميل قد علمها لآدم (عليه السلام)، فلم يزل يقهر الجبابرة الذين (1) كانوا قبله وملوكهم، ثم أمر أن تبنا له مدينة مكان خيمته، فقطعوا الصخور من الجبال وآثار ومعادن الرصاص، وبنوا وزرعوا وعمروا الأرض، ثم أمر ببناء المدائن والقرى واسكن كل ناحية من الأرض أقاربه وأصحابه، ثم أمر بحفر النيل حتى أخرجوا ماء إليهم ولم يكن قبل ذلك [ق 10 ب] معتدل في مجريانه، وإنما كان ينبطح ويتفرق فى الأرض حتي وجه إلي النوبة، وهندسوه وساقوا منه أنهارا إلي مواضع كثيرة من المدن.
وقيل أن قليمون الكاهن خرج من مصر والحق بنوح (عليه السلام)، وأمن به هو وأهله وولده وتلاميذه، وركب معه في السفينة وزوج ابنته بنيصر بن حام بن نوح (عليه السلام)، فلما خرج نوح من السفينة وقسم الأرض بين أولاده وكانت أبنة قليمون قد ولدت لبنيصر ابنا سماه مصرايم، فقال قليمون لنوح: ابعث معى يا نبي الله ولد أبنتي حتي أمضي به بلدي «يعنى مصر»، وأظهره علي كنوزه وأوقفه علي علومه ورموزه. فأرسله نوح (عليه السلام) مع جماعته من أهل بيته، فلما قرب من مصر بني له عريشا من أغصان الشجر وستره بحشيش الأرض، ثم بني له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة سماها درسان أى الجنة، وزرع وغرس فيها الأشجار فصارت هناك زروع وعمارة، وكان الذي مع مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور وينوا المعالم والمصانع وأقاموا أرغد عيش، ويقال أن لما غرست الأشجار بمصر فكانت ثمارها [ق 11 أ] عظيمة بحيث تشق الأترجة نصفين فيحمل البعير نصفها، وكان القثاء فى طول أربعة عشر شبرا.
وقيل أن مصرايم أول من صنع السفن بالنيل، وأن سفينة كانت طولها ثلاثمائة ذراع في عرض مائة ذراع ، ويقال أن مصرايم نكح امرأة من بنات الكهنة فولدت له ولدا، يقال له قبطيم، ونكح قبطيم بعد سبعين سنة من عمره امرأة فولدت له أربعة نفر: أنه قبطيم وأشمون وأتريب وصا، فكثروا وعمروا الأرض وبورك فيها، وقيل إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثين رجلا، فبنوا مدينة سموها ناقة، ومعنى ناقة يعني مدينة ثلاثون بلغتهم وهي منف، وكشف أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومها وآثار المعادن وعمل الطلسمات وعمل الكيمياء، ثم أن مصرايم أمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربا، وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض، ويجعلو فيه جسده ويدفنوا معه جميع ما فى خزائنه من الذهب والجوهر، وكتبوا عليه أسماء الله
পৃষ্ঠা ২০
المانعة تمنع من أخذه فحفروا له سربا طوله مائة وخمسون ذراعا، وجعلوا في وسطه مجلسا مصفحا [ق 11 ب] بصفائح الذهب، وجعلوا له أربعة أبواب على كل باب منها تمثال من ذهب، عليه تاج مرصع بالجواهر، وهو يجالس علي كرسي من ذهب قوائمه من زبرجد، وكتبوا في صدر كل تمثال آيات مانعة وجعلوا جسده في جرن (1) مرمر مصفحة بالذهب، وكتبوا على مجلسه مات مصرايم بن حام بن نوح (عليه السلام) بعد سبعمائة عام مضت من أيام الطوفان، ومات ولم يعبد الأصنام ولم يصل إلى هذا المكان أحدا إلا من يكون ولدته سبعة ملوك تدين بدين الملك الديان وذلك أخر الزمان، وجعلوا معه في ذلك المجلس ألف قطعة من الزبرجد المخروط وألف تمثال من الجوهر النفيس وألف برينة مملوءة من الدر الفاخر والصنعة الإلهية، ومن العقاقير والطلمسات العجيبة وسبائك الذهب وسقفوا ذلك بالصخور وهالوا فوقها الرمال وذلك عند دير أبي هرمس غربي الأهرام، وهو أول قبر بأرض مصر، وولى أبنه قبطيم الملك.
وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (2) في كتاب فتوح مصر وأخبارها عن عبد الله [ق 12 أ] بن عباس رضي الله عنه أنه قال كان لنوح (عليه السلام) ثلاثة (3) من الولد وهم: سام وحام ويافث وأن نوحا رغب إلي الله تعالي وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته حين تكاملوا بالنماء والبركة فوعده بذلك، فنادي نوح ولده فلم يجبه أحد منهم إلا ولده سام فانطلق به معه حتي أتا الجبل فوضع نوح (عليه السلام) يمينه علي سام وشماله علي أرفخشد بن سام وسأل الله تعالي أن تبارك في سام أفضل البركة وأن يجعل الملك والبنوة في ولده أرفخشد، ثم نادي حاما وتلفت يمينا وشمالا فلم يجبه ولم يقيم إليه هو ولا أحد من ولده فدعا الله تعالي أن يجعل أولاده أذلا، وأن يجعلهم عبيد لولد سام، وكان مصر بن بنبصر بن حام نائما إلي جنب جده، فلما سمع دعاء نوح (عليه السلام) قام يسعي إليه.
وقال: يا جدى قد اجبتك إذ لم يجبك جدي، ولا أحد من ولده فاجعل لي دعوة من دعائك ففرح نوح بذلك ووضع يده علي رأسه، وقال: اللهم أنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوت العباد التي نهرها [ق 12 ب] أفضل الأنهار
পৃষ্ঠা ২১
فيها أفضل البركات وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم وقوهم عليها. ثم دعا ولده يافث فلم يجبه ولا أحد من ولده فدعا الله عليهم أن يجعلهم شرار الخلق. وعاش سام مباركا حتى مات، وكان الملك والنبوة والبركة في ولده أرفخشد بن سام، وكان أكبر ولده.
*** ذكر طرف يسيرة من فضائل مصر
أعلم أن لمصر فضائل كثيرة منها أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز في نيف وعشرين موضعا، تارة بصريح اللفظ وتارة إيماء فقال تعالي اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم (1) وقال تعالى ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين (2) وقال تعالى مخبرا عن فرعون إنه قال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون (3) وقيل لم يكن في الأرض ملك أعظم من ملك مصر، وكان جميع أهل الأرض يحتاجون إلي مصر. وأما الأنهار فكانت قناطر وجسور بتقدير وتدبير حتى أن الماء يجري من تحت منازلها وافندتها فيحبسونه حيث شاءوا. وأما ذكره الله تعالي فيها [ق 13 أ] بالإشارة من الآيات فمن ذلك قوله تعالى ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق (4) تعني مصر .. وقال تعالي وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين (5) قال ابن عباس وسعيد بن المسيب (6) ووهب بن منبه (7) هي مصر. وقال
পৃষ্ঠা ২২
تعالي: فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم (1) وقال أبو رهم (2) كانت الجنات بحافتى النيل من أوله إلي أخره في الجانبين جميعا ما بين أسوان إلي رشيد وهي سبعة خليج، خليج الأسكندرية، وخليج سخا، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنته ..
متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء وزروع ما بين الخليجين كله من أول مصر إلى أخرها مما يبلغه الماء وكان جميع أرض مصر كلها تروى يؤمئذ من ستة عشر ذراعا عالما قد دبروا من قناطرها وجسورها، قيل والمقام الكريم هو الفيوم وقيل المنابر وقد كان بها ألف منبر، وقال سعيد بن كثير (3) بن عفير: كنا بقية الهواء عند المأمون لما قدم مصر فقال لنا ما أدري ما أعجب فرعون مصر حيث يقول أليس لي ملك مصر. فقلت: يا أمير المؤمنين [ق 13 ب] أن الذى يري بقية ما قد كان لأن الله تعالى يقول: ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (4) .. فقال: صدقت يا سعيد، ثم أمسك عن الكلام. قال الله تعالى مخبرا عن قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض (5) يعنى أرض مصر. وقال تعالي حكاية عن يوسف (عليه السلام) أنه قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (6) وقال مخبرا عن موسي (عليه السلام) إنه قال ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم (7).
وقال تعالى عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (8) وقال تعالي إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض (9) يعني أرض مصر. وقال ابن عباس
পৃষ্ঠা ২৩
رضي الله عنه سميت مصر بالأرض في عشرة مواضع من القرآن العظيم، فهذا ما يحضرني فيما ذكرته هنا من الآيات كفاية.
وأما ما جاء فيها من الأحاديث فقد روى عن عمرو بن العاص (1) أنه قال حدثنى عمر بن الخطاب (2) [ق 13 أ] رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول «إذا فتح الله عليكم بعدى مصر فأتخذوا منها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض» (3).
وقال أبو بكر (4) رضي الله عنه ولم ذلك يا رسول الله. قال «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة» .. وعنه صلى الله عليه ولم أنه قال:
«ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما» (5) وفى رواية ذمة وصهرا.
قال الليث بن سعد (6) قلت لابن شهاب (7) ما رحمهم قال أن أم اسماعيل بن إبراهيم (صلوات الله عليهم) كانت منهم.
পৃষ্ঠা ২৪
وعن مسلم بن يسار (1) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال استوصوا بالقبط خيرا فأنكم ستجدنونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم» (2).
قال مروان القصاص (3): صاهر القبط من الأنبياء إبراهيم الخليل تسري هاجر أم إسماعيل، ويوسف تزوج بنت صاحب عين شمس من القبط، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) تسري بمارية أم ولده إبراهيم وهذا يحضرني فيما ذكرته من الأحاديث الشريفة كفاية.
وقال كعب الأحبار (4): من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلي مصر إذا أزهرت يعني أيام ربيعها [ق 14 ب]. ومن فضائل مصر أنه كان من أهلها السحرة وقد آمنوا جميعا في ساعة واحدة ولا يعلم جماعة أسلمت في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط، وكانوا في قول يزيد أبي حبيب (5) وغيره أنهم كانوا أثني عشر ساحر، وتحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفا، وتحت يد كل عريف منهم ألف من السحرة، فكان جميع من آمن من السحرة مائتا ألف، يعنى ألفا ومائتي وأثنان وخمسين إنسانا بالرؤساء والعرفاء، فلما عاينوا ما عاينوا إيقنوا أن ذلك من السماء، وأن السحر لا يقوم أمر الله فخروا الأثنا عشر رئيسا عند ذلك سجدا فاتبعهم العرفاء واتبع العرفاء من بقى، وقالوا آمنا برب العالمين رب موسي وهارون .
পৃষ্ঠা ২৫
وقال عبد الله بن عمر (1): خلقت الدنيا [على خمس صور] (2)، على صورة الطير برأسه وصدره، وجناحيه، وذنبه .. فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشام ومصر، والجناح الأيمن العراق، وخلف العراق أمة يقال لها واق، وخلفهم أمة يقال لها واق وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله. والجناح الأيسر السند وخلف السند أمة يقال لها ناسك، وخلف [ق 15 أ] ناسك أمة يقال لها منسك، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالي، والدنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس وشر ما فى الطير الذنب.
وقال الجاحظ (3): الأمصار عشرة الصناعة بالبصرة والفصاحة بالكوفة والتخت ببغداد والغى بالري والجفا بنيسابور والحس بهراة والطرمدة بسمرقند والمروة ببلخ، والتجارة بمصر والبخل بمرو، وقيل إن كل قرية من قرى مصر تصلح أن تكون مدينة يؤيد ذلك قول الله تعالي:
وابعث في المدائن حاشرين (4)، ومن عجائب مصر معامل كالتنانير يعمل بها البيض بصنعة ويوقد عليه فيحاكى نار الطبيعة في حضانة الدجاجة، فيخرج منها الفراريخ، وهي من معظم دجاج (5) مصر، ولا يتم عمل هذا بغير مصر ..
ووصف بعضهم فقال ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمردة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء.
فأما اللؤلؤة البيضاء فإن في مصر شهر أبيب ومسرى وتوت يركبها الماء فترى الدنيا
পৃষ্ঠা ২৬
بيضاء، وضياعها علي روابي وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بها المياه من كل وجه، [ق 15 ب] فلا سبيل إلي قرية من قراها إلا في الزوارق. وأما المسكة السوداء فإن في أشهر بابة وهاتور وكيهك ينكشف الماء عن الأرض فتصير أرضا سوداء، وفي هذه الأشهر تقع الزارعات، وأما الزمردة الخضراء فإن في أشهر طوبة وأمشير وبرمهات يكثر نبات الأرض وربيعها فتصير خضراء كأنها زمردة. وأما السبيكة الحمراء فإن في أشهر برمودة وبشنس يتورد العشب ويبلغ الزرع الحصاد، فيكون كالسبيكة (1) التى من الذهب منظرا ومنفعة.
وقال بعضهم في معني ذلك أن فصل الربيع مليح، تضحك الأرض من بكاء السماء ذهب حيث ما ذهبنا، ودر حيث درنا وفصة الفضاء.
ويقال لما خلق الله تعالي آدم (عليه السلام) ومثل له الدنيا شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها ومن يسكنها من الأمم ومن يملكها من الملوك.
فلما رأى مصر أرضا سهلة ذات نهر جار مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، ورأي جمالا من جبالها مكسوا نورا لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة في سفحه [ق 16 أ] أشجار مثمرة، وفروعها في الجنة تسقي بماء الرحمة، فدعا آدم (عليه السلام) في النيل بالبركة ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك في نيلها وجبالها (2) سبع مرات فكان آدم (عليه السلام) أول من دعا لها بالبركة والرحمة والخصب والرأفة، وكذلك نوح (عليه السلام) دعا لها بالبركة.
وقال كعب الأحبار: لو لا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر. فقيل له: لم؟
فقال: لأنها بلد معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء قصمه الله تعالى واكبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وقال: بعضهم لو زرعت مصر كلها لوفيت بخراج الدنيا بأسرها، ومن فضائل مصر:
أنه ولد بها من الأنبياء موسي وهارون ويوشع وعيسي بقرية يقال لها اهناس (3) من نواحي صعيد مصر، وبها النخلة المذكورة في القرآن في قوله تعالي وهزي إليك بجذع النخلة (4).
পৃষ্ঠা ২৭
ودخل مصر من الأنبياء إبراهيم الخليل ويعقوب ويوسف والأسباط وأرميا، وكان من أهلها مؤمن آل فرعون الذى أثني عليه الله جل جلاله في القرآن، ويقال أنه ابن فرعون لصلبه [ق 16 ب] واظنه غير صحيح. وكان منها جلساء فرعون الذي أبان الله تعالي فضيلة عقلهم بحسن مشورتهم في أمر موسي وهارون (عليهما السلام) لما استشارهم فرعون في أمرهما فقال تعالي مخبرا عن فرعون. قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم (1) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فما ذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم (2) وأين هذا من قول أصحاب النمرود في أمر إبراهيم الخليل حيث أشاروا بقتله قال تعالي حكاية عنهم: قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين (3) ومن أهل مصر امرأة فرعون التي مدحها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (4) ومن أهلها ماشطة بنت فرعون حين آمنت بموسي (عليه السلام) فتمشطها فرعون بأمشاط الحديد كما يمشط الكتاب، وهي ثابتة علي إيمانها بالله تعالي.
وقال صاعد اللغوي (5) في [ق 17] في كتاب طبقات الأمم: أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى، وهو أول من تكلم في الجوواهر العلوية والحركات النجومية وأول من ابتني الهياكل ومجد الله فيها، وأول من نظر في علم الطب وألف لأهل زمانه قصائد موزونة في الأشياء والأرضية والسماوية. وقالوا:
أنه أول من أنذر بالطوفان. فقال: أنها آفة سماوية تصيب الأرض من الماء والنار، وأخاف أن يذهب العلم ويندرس فبني الأهرام والبرابي في صعيد مصر الأعلي، وصور فيها جميع الصنائع والآلآت، ورسم فيها صفات العلوم، حرصا على تخليدها لمن بعده ووخيفة أن يذهب رسمها من العالم. وهرمس هذا هو إدريس (عليه السلام).
ومن فضائل مصر: أنها تميز أهل الحرمين وتوسع عليهم، ومصر فرصة الدنيا، يحمل
পৃষ্ঠা ২৮