নূর ও প্রজাপতি
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
জনগুলি
ونحن نعلم من مذكرات جوته اليومية أنه نظم هذه القصيدة في مدينة «يينا» في اليوم الحادي عشر من شهر ديسمبر سنة 1814م، كما أن ملاحظاته التالية التي دونها عن «ابن عربشاه» لا تزال موجودة بخط يده إلى الآن (توفي عام 1450م، ابن عربشاه، عربي، قصة تيمورلنك في جزأين، الأول يتناول قصة تيمورلنك، والثاني قصة ابن أخيه خليل سلطان، عجائب المقدور في أخبار تيمور، الأفعال الإلهية العجيبة في قصة أعمال تيمور ).
التزم جوته بالنص اللاتيني، واستقى منه البداية الملحمية والنهاية الدرامية لقصيدته المذكورة بصورة مباشرة. ولعل هذا النص أن يكون قد أثر أيضا بصورة غير مباشرة على مرونة الإيقاع وسيولته، والبعد عن المجاز والرموز، وطول النفس والجيشان الانفعالي «للخطاب». وإليك النص العربي الأصلي الذي رجع إليه الشاعر في ترجمته اللاتينية، وذلك لإمكان المقارنة بينه وبين القصيدة التي يمكنك الاطلاع عليها في كتاب تيمور، وهو الكتاب السابع في ترتيب كتب الديوان:
فجال بينهم الشتاء بجفاف عواصفه، وبث فيهم حواصب قواصفه، وأقام عليهم نايحات صراصره، وحاكم فيهم زعازع صنابره، وحل بناديه وطفق يناديه مهلا يا مشئوم، رويدا أيها الظلام الغشوم، فإلى متى تحرق القلب بنارك، وتلهب الأكباد بأوامك وأوارك، فإن كنت أحد نفسي جهنم فإني أنا ثاني النفسين، ونحن شبحان اقترنا في استيصال البلاد والعباد، فانحبس بقران النحسين، وإن كنت بردت النفوس وبردت الأنفاس فنفحات زمهريري منك أبرد، أو كان في جرايدك من جرد المسلمين بالعذاب فأصماهم وأصمهم ففي أيامي، بعون الله، ما هو أصم وأجرد، فوالله لا حابيتك، فخذ ما أتيتك، والله لا يحميك يا شيخ من برد المنون لواعج جمر محمرة ولا واهج لهيب في كانون.
والنظرة الخاطفة إلى هذا النص تبين للقارئ منذ سطوره الأولى مدى تأثر جوته به إلى حد الترجمة عنه. صحيح أن قول ابن عربشاه «وحل بناديه وطفق يناديه ...» قد حولته فطرة جوته القصصية والمسرحية إلى حوار ينذر فيه الشتاء المخاطب الذي لا تخرج من فمه كلمة واحدة، وهو تيمور الذي يبدو أنه تجمد من برده ومن زجره وتوعده، ولكن حتى هذا الحوار نفسه كامن على سبيل القوة أو الإمكان - إذا جاز هنا أن نستخدم لغة أرسطو! - في نص ابن عربشاه، ولم يكن على شاعر الديوان الشرقي إلى أن يحققه بالفعل ويبرزه إلى العلن، ولا بد أن التناظر العجيب بين «تيمور» و«نابليون» قد خطر على ذهن القارئ بعد قراءته لنص ابن عربشاه ولقصيدة جوته. فقد قضى الشتاء على تيمور أثناء إعداده لحملته على الصين، وجمد جيوش نابليون على أبواب موسكو. ولا بد أيضا أن تكون هزيمة نابليون قد هزت وجدان جوته وجعلته يفكر في المصير الفاجع الذي آل إليه طغيان البطل العبقري الذي طالما أعجب به. وأخيرا فلا بد أن نسأل أنفسنا لماذا لم يكتب هذه القصيدة إلا في وقت متأخر، أي في شهر ديسمبر سنة 1814م؟ لقد شهدت أوروبا كلها على هزيمة نابليون، وعرف جوته بغير شك أن المتجمد العظيم من البرد قد مرت عربته في خفية عن الأعين بمدينة «فيمار» بعد فشل حملته الروسية، كما عرف بالرسالة التي بعث بها أميره كارل أوجست إلى صديقتهما المشتركة الدوقة أدونيل (التي كانت وصيفة إمبراطورة النمسا ماريا لودفيكا التي عبدها في صمت!) وقال فيها: «لقد مر من هنا بعربة الخزي والعار ذلك المتجمد من البرد والذي لا أريد ذكر اسمه ها هنا.» ثم إنه قد قرأ تلك الدعوة التي وجهتها الصحيفة الأدبية العامة التي كانت تصدر في مدينة «يينا» إلى القراء والأدباء في شهر مارس عام 1814م، وأهابت بهم أن يأخذوا من الحدث الكبير مادة ملحمة تعبر عن المشاعر القومية الألمانية، وأن يلاحظوا أن الإرادة الإلهية قد مهدت في روسيا لهذه الملحمة. والجواب عن السؤال السابق هو أن جوته لم يكن على استعداد لتلبية هذه الدعوة «القومية»، إما بسبب إعجابه القديم بنابليون، وإما بسبب نفوره الطبيعي من الأعمال الأدبية ذات اللهجة الطنانة التي ظهر منها الكثير أثناء حروب التحرير، بجانب معالجته لمثل هذه الملاحم القومية بطريقته الخاصة (كما فعل في ملحمته الشعبية هرمان ودورثيا التي ترجمها للعربية المرحوم الدكتور محمد عوض محمد). لا يبقى إذن إلا القول بأن قراءته لنص ابن عربشاه في شهر ديسمبر عام 1814م هي التي حركته لكتابة قصيدته الملحمية عن الشتاء وتيمور، بعد اطلاعه على البيان الرائع عن حملة تيمور، ولا شك في أن هزيمة جيوش نابليون على أبواب موسكو سنة 1812م كانت تطوف في ذهن الشاعر وخياله عندما شخص الشتاء في صورة قاض صارم ينذر بإنزال العقاب الرادع على تيمور الذي عاجله الموت - كما سبق القول - أثناء إعداده لحملته الشتوية على الصين، بينما كان البرد القارص يداهم جيوشه ويفتك بها. وهكذا يكون الشاعر - كما قال عن كتاب تيمور ضمن إعلانه عن ظهور الديوان سنة 1816م - قد نظر إلى الأحداث العالمية التي كانت تدور حوله - وهي الهزائم التي لحقت بنابليون - كما نظر إلى كتاب تيمور في ديوانه كما لو كانا «مرآة نرى فيها، لعزائنا أو لبلائنا، انعكاس مصائرنا نحن.»
ويذكرنا هذا التناظر بين مصير نابليون (1769-1821م) ومصير تيمورلنك (1336-1405م) بشيء آخر ربما يكون قد طاف أيضا بذهن جوته وخياله أثناء كتابة قصيدته المطولة، ذلك هو التناظر بينه وبين توءم روحه حافظ الشيرازي الذي كان ديوان شعره - إلى جانب تجربة الحب العارم - هما أكبر حافز له على تأليف ديوانه الشرقي. فقد قرأ ما كتبه «فون همر» عن حافظ وكيف اقترنت حياته بالصراعات الصاخبة بين الأسر الحاكمة في بلاده، حتى هبت عاصفة تيمور المدمرة على بلاد فارس في أواخر حياته، وقدم هو نفسه إلى هذا الفاتح ونال بركته واستحسانه (والمعروف أن جوته نفسه قد قابل نابليون في سنة 1808م مقابلة قصيرة، وأن هذا الطاغية العبقري قد هتف عندما رآه قائلا لقواده المحيطين به: هاكم رجلا). ثم أخذ يتحدث معه بمودة وإعجاب عن روايته «آلام فيرتر»، ويبدي عليها بعض الملاحظات - فيا له من تناظر بين أقدار القائدين والشاعرين! وكم يزيد من إعجابنا بهذين الشاعرين أنهما لم ينتظرا حتى يحل السلام والهدوء لينشدا أغانيهما الشجية الألحان، بل راح كلاهما يشدو بشعره رغم قصف الرعود وتدفق أنهار الدماء والأحزان. وها هي أغانيهما تتردد حتى الآن بينما لا تذكر أسماء تيمور ونابليون وغيرهما من جبابرة الطغاة إلا وتصب على رءوسهم اللعنات، وربما يتذكر الذاكرون اسمي حافظ وجوته وغيرهما من عظام الشعراء فتنبض قلوبهم بالحب والعرفان، وتعرف أن الشعر لا يموت أبدا ولا يتخلى عن دوره في تحدي القهر والظلم بالنغم والغناء، وإنقاذ العالم والبشر من الموت والخراب والضلال بهمساته الحيية العذبة بلسان الحياة والحرية والحب والحق والجمال. (1-2) المتنبي
تدل جميع السياقات التي ورد فيها اسم شاعر العربية الأشهر في كتابات جوته على أنه أكبر شخصيته إكبارا عظيما، حتى لقد عبر في إحدى قصائد كتاب زليخا - كما سنرى بعد قليل - عن رغبته في تقمص روح المتنبي الذي قدم اسمه في نفس البيت على اسم أشهر شاعرين فارسيين، وهما حافظ وسعدي. ولم يمنعه من ذلك أن المتنبي كان في ذلك الوقت شبه مجهول في أوروبا، ولعل المستشرقين لم ينتبهوا بصورة جادة إلى مكانته في الأدب العربي إلا بعد أن عرفوا مدى تقدير جوته له في ديوانه الشرقي، إذ لم تكن المختارات القليلة التي قدمها «يوسف فون همر» في سنة 1816م - ولم تزد على تسع قصائد من شعر الصبا - كافية لتسليط الضوء عليه، ولهذا لا نعجب إذا رأينا هذا المترجم نفسه ينشر ترجمته الكاملة لديوان المتنبي بعد سنوات قليلة من صدور «الديوان الشرقي». وترجح الباحثة الكبيرة «كاترينا مومزن» أن يكون جوته قد سمع عن المتنبي وقرأ له وهو بعد طالب لا يتعدى السادسة عشرة من عمره في ليبزيج. ففي عام 1765م، كانت ليبزيج تحتفل بإقامة معرض الكتاب بها، وكان «يوهان يعقوب رايسكه» - وهو من أكبر المستعربين في ذلك الحين - قد نشر كتابه «مختارات غزلية وحزينة من ديوان المتنبي بالعربية والألمانية مع شروحها»، وربما تكون هذه المختارات قد أوحت «لهردر» ببعض الخواطر التي ضمنها كتابه عن الشعر الوجداني الذي لا يستبعد أيضا أن يكون جوته قد اطلع عليها.
وتتتبع السيدة مومزن آثار هذه المعلومات القليلة عن المتنبي عن إنتاج جوته اللاحق، سواء في القسم الثاني من فاوست (في كلام مفيستوفيلس عن نموذج الجمال الأنثوي في مشهد ليلة الفالبرج الكلاسيكية) أو في الديوان الشرقي. فقد رجع في مرحلة عكوفه على الديوان إلى كتاب رايسكه السابق الذكر، وأفاد منه في كتابة السطور القليلة في «تعليقاته وأبحاثه الملحقة بالديوان» عن صفات المتنبي وخصائصه، كما ألهمته القصائد الغزلية المنتخبة فيه بقصيدته الحوارية البديعة وهي «سماح» من كتاب الفردوس (وقد كتبها في أبريل سنة 1820م، أي بعد صدور الطبعة الأولى للديوان سنة 1819م، لكي تضم مع غيرها للطبعة اللاحقة في سنة 1827م) والقارئ الذي يطالع هذه القصيدة مع قصيدة سابقة لها، وهي «رجال موعودون» سيجد أن مضمونهما واحد مع شيء من الاختلاف؛ ألا وهي الصفات التي تؤهل أصحابها للإذن لهم بدخول جنة الفردوس. ففي القصيدة الأخيرة «رجال موعودون» كان البطل المسموح له بالدخول هو الذي «يحمل الجرح الذي أصيب به في سبيل الإيمان». أما في هذه القصيدة «سماح»، فإن الحورية تمنع «حاتم» من الدخول لأنه خال من الجراح التي أصابت شهداء العقيدة، ثم تقتنع بصدق كلامه عن «جراح الحياة والحب» التي عاناها وتعطيه الحق في الدخول، ولا بد أن الفكرة التي تقول إن قتيل الحب شهيد عند المسلمين، قد استوحاها شاعر الديوان من بيتين للمتنبي ترجمهما رايسكه فيما ترجم من قصائد في الغزل وأثرت على قصيدته. ويكفي أن نورد البيتين الأصليين لنعلم أن التأثر هنا غير مستبعد:
كم قتيل كما قتلت شهيد
لبياض الطلى وورد الخدود
وعيون المها ولا كعيون
অজানা পৃষ্ঠা