يؤنسني ربي ﷿.
فمن كان الله أنيسه في خلواته في الدُّنْيَا، فإنَّه يرجى أن يكون أنيسه في ظلمات اللحود إذا فارق الدُّنْيَا وتخلى عنها، وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
فيا رب كن لي مؤنسًا يوم وحشتي ... فإني (بما) (*) أنزلته لمصدق
وما ضرني أني إِلَى الله صائر ... ومن هو من أهلي أبر وأرفق
وكذلك أهوال القيامة وأفزاعها وشدائدها، إذا تولى الله عبده المطيع له في الدُّنْيَا، أنجاه من ذلك كله.
قال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] قال: من الكرب عند الموت ومن أفزاع يوم القيامة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس [﵄] في هذه الآية: ننجيه من كل كرب في الدُّنْيَا والآخرة (١).
وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [الأحقاف: ١٣] قال: يُبَشَّر في ذلك عند موته، وفي قبره ويوم يبعث، فإنَّه لفي الجنة وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه.
وقال ثابت البناني في هذه الآية: بلغنا أن المؤمن حيث يبعثه الله من قبره يتلقاه ملكاه اللذان كانا معه في الدُّنْيَا فيقولان له: لا تخف ولا تحزن، فيؤمِّن الله خوفه ويقر الله عينه، فما من عظيمة تغشى الناس يوم القيامة إلا وهي للمؤمن قرة عين، لما هداه الله ولما كان يعمل في الدُّنْيَا. خرج ذلك كله ابن أبي حاتم وغيره.
وأما من لم يتعرف إِلَى الله في الرخاء، فليس له من يعرفه في الشدة لا في الدُّنْيَا ولا في الآخرة.
وشواهد هذا مشاهدة حالهم في الدُّنْيَا، وحالهم في الآخرة أشد، وما لهم من ولي ولا نصير.
_________
(١) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (٢٨/ ٨٩).
(*) لما: "نسخة".
3 / 120