وقال علي ﵁: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقَدَّرْ، فإذا جاء القَدَرُ خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة (١).
وقال مجاهد: ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه إلا قال: وراءك، إلا شيئًا قد أذن الله فيه فيصيبه.
ومن حفظ الله للعبد: أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله.
قال بعض السَّلف: العالم لا يحزن، وقال بعضهم: من جمع القرآن متع بعقله.
وتأول ذلك بعضهم عَلَى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ [التين: ٥] وهو أرذل العمر ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين: ٦].
وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهر ممتع بعقله وقوته، فوثب يومًا من سفينة كان فيها إِلَى الأرض وثبة شديدة. فعوتب عَلَى ذلك، فَقَالَ: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.
وعكس هذا أن الجنيد رأى شيخًا يسأل الناس، فَقَالَ: إن هذا ضيع الله في صغره، فضيعه الله في كبره.
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده، كما قيل في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ [الكهف: ٨٢]: إنهما حفظا بصلاح أبيهما.
وقال محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها، والدويرات التي حولها، فما يزالون في حفظ من الله وستره.
وقال ابن المسيب لابنه: يا بني (لأزيدن) (*) في صلاتي من أجلك، رجاء
_________
(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٣٤ - طبعة دار صادر)، والطبري في تفسيره (١٣/ ١١٩).
(*) في "المطبوع": إني لأزيد.
3 / 100