كان في الفرح كل أصدقاء راوية وسهير، فلم يكن عجيبا أن تكون شهيرة سيدة مرموقة في الفرح تذهب وتجيء، وتدعو إلى الطعام، وتمر بجانب الخدم وهم يقدمون الحلوى والشربات. بل لقد تولت هي نفسها تقديم علب الحلوى إلى المدعوين مع راوية وسهير.
وفي الفرح تعرف شباب بشباب.
تعرف حامد بيحيى وبشهيرة وبهيرة، وتعرفوا به ضمن من عرفوهم في ليلتهم تلك.
كان يحيى في فترة هذا الفرح قد اتخذ قرارا خطيرا، وزاده هذا القرار شعورا بالأهمية إن كان هذا الشعور عنه يحتاج إلى مزيد.
كان يحيى يتعثر في التعليم حتى بلغ الثالثة الثانوية وهو في التاسعة عشر من عمره، وكان ما زال المدى أمامه بعيدا؛ فقد كان لا بد له أن ينال الثقافة ثم التوجيهية، وأدرك أن هذا أمر بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا.
وهنا يقف علماء النفس حائرين، فهناك من يقول إن جو الأهمية الذي تفجر حول يحيى كان خليقا أن يجعله يذاكر ويصبر نفسه على الجهد؛ لأنه لا يليق بالرجل المهم أن يسقط أمام الخدم والأتباع الذي لا يقولون عنه إلا البك.
وهناك فريق من هؤلاء العلماء يقول إن هذا الشعور بالأهمية مع عدم الإدراك لقيمة الثقافة يجعله يظن أن التعليم شيء ثانوي لا يستحق هذا العناء، وأن البك لا يجوز له أن يصنع ما يصنعه عامة التلاميذ، ويذاكر كما يذاكرون، وينجح كما ينجحون.
وهكذا تجد أن علماء النفس هؤلاء كثيرا ما يزيدون الأمور تعقيدا، وكثيرا ما تنغلق أمامهم المسالك، فلا أحد منهم يعلم إن كان على خطأ أم كان على صواب.
ولكن يحيى لم يفكر على كل حال أن يسأل علماء النفس، ولا أن يستخير كتبهم، وهو أيضا - وهو البك - لم يكن محتاجا أن يستشير أحدا؛ فحزم أمره وقرر رأيه وأصدر قراره: لا تعليم!
وقرار البك لا مرد له. وأدركت أمه أنها لن تستطيع أن تجادله؛ فهي تعلم أن البك الذي صنعته وجعلت من حولها يصنعونه معها، لم يعد صالحا للنقاش.
অজানা পৃষ্ঠা