والتفت إلى الباشا المدير: سعادة الباشا يحب النارجيلة. - وقد أحضرتها معي في السيارة. أتأمر بإحضارها؟ - لا يا سعادة الباشا، في هذه المرة ستشرب في نارجيلة أخرى، ومعها دخان استقدمته لسعادتك خصيصا من تركيا.
وصفق راشد باشا، وأصدر أوامره، وما لبثت أن جاءت شيشة ذات مبسم من المرجان، وقد أحكم عليها دخان واضح الفخامة، وما هي إلا أن جذب منها الباشا المدير جذبة؛ فإذا هو يقول: سعادة الباشا، ليس في مصر رجل مثلك يعرف كيف يحيي الناس في أناقة وترفع.
ويضحك الجميع.
لقد كانت ملاحظة المدير غاية في الصدق. فمن يستطيع أن يقول إن مديرا عظيما يرشى بنرجيلة؟ إنما هي هدية من ناحية الثمن لا تساوي شيئا ثم هو يقدمها إليه على الملأ، والرشاوى لا تقدم على الملأ. إنما هي هدية تحمل في طواياها أن مقدمها يهتم بمن سيقدمها إليه، ويبحث عما يسره من الهدايا ويقدمها إليه.
ذكي سعادة الباشا الجديد، ذكي لا شك في ذلك.
الفصل السابع
شهيرة سيدة عجيبة. إنها ابنة عم خديجة، وأبوها وجدي باشا عزت، وقد تظن أني أخلط الأنساب فجعلت أخا عثمان باشا فكري اسمه وجدي باشا عزت! ولو أنك سألت واحدا من أبناء هذا الجيل لعلمت أن المدارس في ذلك العهد العهيد من الزمن كانت تسمي تلاميذها بأسماء تركية غير تلك التي يردون بها إلى المدرسة، ولم تكن هناك شهادات ميلاد في ذلك الحين.
فوجدي باشا عزت هو أخو عثمان باشا فكري كما شاءت المدرسة أن تسميه. وإن كان عثمان باشا فكري قد نال الباشوية عن طريق غنى سابق تبدد فأصبح أقرب إلى الفقر؛ فإن وجدي باشا عزت نال الباشوية عن طريق السياسة، فقد كان عضوا بالتجمعات البرلمانية التي كانت تسمى المجلس التشريعي أو مجلس شورى القوانين، ولم تمهله الحياة أن يرى مجلسي البرلمان اللذين نبتا عن دستور عام 1923م، وكانا يسميان مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ولكن وجدي باشا ترك مع ذلك سيرة طيبة، وترك أيضا بقية من مال تجعل ابنته شهيرة تنسلك بشيء من الصعوبة والعسر مع طبقة الأغنياء، إلا أنها كانت تعيش عيشة سمحة، لا عنت فيها ولا إرهاق.
وكانت شهيرة تستطيع أن تستغني باسم أبيها وبما تركه من مال عن تعلقها بأصحاب الألقاب وأصحاب الشهرة؛ فهي مثلا لم تزر خديجة إلا زيارات نادرة، تستر بها واجبات القرابة. فلم يكن راشد ذا شهرة في المحيط الذي تحيا فيه شهيرة، وابنة عمها لا تمثل عندها إلا أنها ابنة باشا، وباشا غير ذي شهرة، بل وغير ذي مال أيضا.
وهكذا لم تجد شهيرة داعيا أن تزورها، حتى إذا نال راشد الباشاوية أصبحت شهيرة لا تترك بيت خديجة، بل وأصبحت لا تخفي عنها سرا من أسرارها.
অজানা পৃষ্ঠা