وهو أيضا كان يعلم أن ليس في القاهرة شيء يستطيع أن يفعله، فالانتظار وحده ليس عملا.
أما عن فهمي؛ فإنه لم يبت ليلته التي زاره فيها ليعرض سفالته إلا وقد أعد له عدته، وعرف تفاصيل ما سيفعله بشأنه، ولم يكن الموعد الذي حدده قد جاء بعد.
حين عاد راشد إلى القاهرة في أوائل سبتمبر، كان الباشا قد أعلن زواجه من سهير بعد أن ماتت نعيمة، وأصبح الباشا يخرج مع زوجته في كل مكان.
وكان عدلي قد رفع دعوى السفه على أبيه، فجعل من نفسه أضحوكة بين الناس. فإن كان لا بد من دعوى ترفع، كان الأجدر أن يرفعها الأب العالم الذكي على ابنه الغبي الجاهل.
وكان زكريا باشا كبيرا كشأنه، فاكتفى بإرسال أصغر محام في مكتبه، وهو يعلم أن مهمة المحامي غاية في السهولة واليسر. ولم يكن عجيبا ألا يفكر زكريا باشا في حرمان ابنه من الميراث، وما كان أيسر من هذا بالنسبة إليه، ولكن لعله بروح القاضي العادل، والفقيه القانوني قد أدرك أنه هو الذي أهمل شأن ابنه وجعل منه هذا السخيف الذي أصبحه بما هيأت له أمه من مجالس فارغة مع نسوة جاهلات، وما هيأه له طاهي المنزل من ثقافة مطبخية.
ولم يشأ زكريا أن يعاقب ابنه على خطأ ارتكبه هو نحوه، ويعتبر نفسه مسئولا عنه.
وبقدر ما كانت أحاديث القاهرة تسخر من سخافة عدلي، بقدر ما كانت تكبر موقف أبيه وتعاليه عن الصغار، وعن أن يجعل نفسه في كفة ميزان مع ابنه السخيف.
كان العيد قد اقترب وذهب راشد إلى القرية ومعه زوجته، وراح يوزع على الفلاحين الملابس والنقود مضاعفة هذا العام، مدعيا أنها من أجل زوجته، فانطلقت الألسنة تدعو لها وله بكل هناء، وإن كان هو في خبيء نفسه يدبر لأمر ويعد له بهذه المنح عدته.
ظهرت أسماء الذين أنعم عليهم برتبة الباشاوية، وانفجر الخبر في البلدة حيث أحب راشد أن يكون، ففي الريف تصبح الأفراح والأحزان أكثر جلاء ووضوحا من المدينة.
في الريف ينطلق الفرح فيصبح في كل بيت، توشك تراه في الشمس وفي القمر وفي الزرع، وعلى وجوه الأنعام، مع زغاريد النساء ورقص الرجال وقرع الطبول وهتاف المزمار.
অজানা পৃষ্ঠা