وقالت لها الفتاة عجبا: أنت زوجته؟ - نعم. - حقا؟ - وأي عجيب في ذلك؟ - أردت أن أتأكد. - أنا زوجته. - أتعرفين كيف يظل زوجك؟ - أعرف كيف أخلص له. - هل أنت سخيفة إلى هذا الحد؟ - هل الإخلاص سخف؟ - الإخلاص مفروض لا يحتاج الرجل أن يكافئ زوجته عليه. - ماذا؟ - طبعا أنت مندهشة أن تسمعي هذا الكلام مني. - لا، أبدا. - بل أنت مندهشة. - لنفرض. - اسمعي، لقد كنت فتاة زوجك فترة من الفترات. - ربما أدركت ذلك من لقائك به. - إن ما نصنعه في الكباريه ليس هو الحب، إننا حين نحب لا نهب هذا الحب إلا لواحد، وكان زوجك يغيب عني فترات قد تصل إلى سنة، ومع ذلك لم أكن أهب حبي لأحد طوال فترة غيابه. - ولكن؟! - إن ما نهبه للزبائن إنما هي أجسامنا فقط، افهمي ما أقول، أنا أتكلم عن الحب. - متى كان هذا؟ - لم تتغلب علي واحدة من زميلاتي، أنت فقط التي تغلبت علي. - أتكرهينني؟ - لم يكن من الممكن أن يتزوجني، فهو شرقي وأنا أعرف ظروفه. - أشكرك. - أتعرفين كيف تحافظين عليه؟ - ربما. - إن لم تكن لك بضاعة إلا الإخلاص، فأغلب الأمر أنني سأستقبله قبل أن تمر على زواجكما بضعة أشهر. - الواقع أن هذه هي البضاعة الوحيدة التي أعرفها. - إذن فسأعلمك.
وعلمتها.
لقد رأت باريس، وتعلمت في أهم جامعات الحياة على أعظم أساتذة الحب والمتعة ومعرفة الرجال.
ولم يكن ما رأته من باريس وحدها هو حصيلة علمها، إنما ما رأته من زوجها كان أعظم، هذا الرجل المهيب الذي سمعت عنه في فترة الخطبة أن رجال المال العتاة لا يخشون أحدا في البورصة قدر خشيتهم منه، هذا الرجل الذي استطاع بهيبته الذكية الخارقة الذكاء أن يجعل حمزة البلاشوني، وكيل أعماله في الدائرة الزراعية، رجلا في غاية الأمانة، كان هذا الوكيل كما سمعت عنه يقول إن الإنسان حين يسرق أي صاحب مال يعرف أنه قد يفصل من عمله، فإن كان صاحب المال قاسيا غاية في القسوة فقد يذهب به إلى السجن، أما مع راشد بك فلا يعرف أي مصير ينتظره، فهو خليق أن يصنع به كل ما لا يتوقعه أحد.
راشد هذا ينكشف في ملاهي باريس عن هذا الشخص الذي يستطيع في مقدرة فائقة أن يجعل كل لحظة معه متعة، حتى يصبح الجالسون والجالسات جميعهم وجميعهن مغمورين في فترة من الحياة مليئة بالحياة، تلفهم سعادة غامرة تزلزل أعماق أعماقهم، فيزداد غوصهم في لحظاتهم، لا يريد أحد منهم أن يفكر فيما كان يصنع بأمسه أو فيما قد يصنعه به غده، وراشد هو روح هذه الغمرة الطاغية من الإمتاع وهو الينبوع أو هو إن شئت الشلال الهادر بالإسعاد، وهو في الوقت نفسه يستطيع أن يجعل كل فرد من الموجودين يعتقد أنه هو لا راشد سبب هذه السعادة وهذا الإمتاع. كيف استطاع هذا الرجل المهيب أن يكون خبير متعة لا يدانيه في خبرته المتخصصات من فتيات الملاهي في باريس أو أصحابهن؟
وتومض في ذهن خديجة فكرة تعمل فيها النظر، وتوشك أن تؤمن بها: إن معرفة الإنسان كيف يكون سعيدا، وكيف يعتصر لحظات السعادة اعتصارا لا يبقي من رحيقها على قطرة، موهبة لا تتأتى إلا لعبقري يعرف كيف يعيش، ويعرف من مسالك الحياة في جدها ولهوها ما لا يعرفه أبناء الحياة مجتمعين.
والذي لا تعرفه خديجة أن راشدا ترك في مصر مشكلة يضيق بها أشد الضيق تهدر قدرا من ماله، ولكنه مع ذلك أقنع نفسه بأنها مسألة هينة ميسورة، وأنها لا تستحق حتى أن يؤخر سفره من أجلها.
لقد اغتاله صديق له في عشرة آلاف جنيه.
والذي لا تعرفه أيضا أن سبب اغتيال صديقه لهذا المبلغ هو زواجه منها، ومعرفته لسيدة من سيدات مصر لها أهمية كبرى في المجتمع المصري، والذي لا تعرفه أيضا أنه فجع في صديقه وفي ثقته به فجيعة إن لم تزد على فجيعة المال، فهي تستوي معها.
ولكن أهذا الحديث يناسب لحظات المتعة التي يعتصرها راشد، ويسقيها صرفا غير مشوبة لزوجته الحبيبة خديجة؟ سننسى كل هذا الذي يضيق به راشد، ونتيح له ما أتاحه لنفسه من شهور صاخبات بالهناءة في ربوع فرنسا جميعا.
অজানা পৃষ্ঠা