الإسكندرية في 18 يوليه سنة 1910
آراء
(1) رأي في الزواج وشكوى النساء منه
رد على ما كتبه حضرة مدير الجريدة في العدد 383 بعنوان: «بناتنا وأبناؤنا». •••
كتبتم حضرتكم في العدد (383) من الجريدة مقالة بعنوان «بناتنا وأبناؤنا» تستغربون فيها كثرة تشكي النساء من الزواج في هذا العصر مع قلة تزوج الرجل باثنتين، وقلتم فيها أقوالا صائبة حقيقية ، ولكنكم عجبتم من أن المرأة كان يرضيها من زوجها أن يعدل بينها وبين ضرائرها في الكسوة والمعاملة، وأنها إذا تزوج عليها كان يمنعها الوقار غالبا من أن تفتح قلبها بالشكوى إليه أو إلى ذوي قرابة منها بما تجده من الألم؛ نعم ذلك صحيح لا ريب فيه، ولكن له أسبابا أنتجت تلك النتائج، أولها أن الفتاة كانت إذا شبت وجدت والدتها تعيش مع ضرة أو أكثر، ورأت خالتها وعمتها على تلك الحال، وكذلك صويحباتها ومعارفها، فلم يكن ذلك بالشيء الغريب، فإذا جاء دورها وتزوجت من رجل له زوجة أخرى وجدت أنه لم يخرج عن المألوف، وأنه تابع لعادة أهل عصره ومصره؛ فلم يكن يحسن بها إذن أن تبدي شكواها من أمر عادي يأتيه كثير غير زوجها، ولو أنه يؤلمها في قلبها ويجرح عواطفها، وكذلك كانت التربية غير ما نراها اليوم؛ فبنات العصر الحالي، حتى الجاهلات منهن، يفهمن الحياة أكثر من أمثالهن الغابرات؛ فأصبحن لا ترضيهن الكسوة والطعام فقط كأحد خدم المنزل، ولكنهن يقدرن اليوم السعادة الزوجية أكثر من ذي قبل، ويعلمن أنه إذا لم يكن الحب أساس المعاشرة بين الزوجين فلا معنى للجمع بينهما يتنافران ويتشاحنان كأمثال الديكة الخرقاء. ومن اختلاف التربيتين القديمة والحديثة صفاء النية والمجاهرة بالقول والحرية فيه الآن، والخوف وشدة التكتم حتى على مضض العيش وذله قبل، حتى إن المرأة في زمن جداتنا كانت إذا أصابها ألم أو مرض تبالغ في كتمانه وتعد المرض - أيا كان نوعه - عيبا تجب مداراته، ولكن المرأة الجديدة على عكس ذلك تماما؛ إذ ترى أن كل شيء من هذا القبيل عادي، وأن ما يصيبها قد يصيب غيرها، فلا معنى لإخفاء أمر يصح أن يقع فيه الجميع. ولا يزال أثر هذا التباين في الحذر مشاهدا للآن ويكاد يكون محسوسا بين طبقة (بنات البلد)؛ إذ تعد الواحدة منهن من النقص أن تخبر زوجها بصداع قد يصيبها، أو تتوهم أنه يأنف منها ويعافها إذا وجدها راقدة في سرير الألم والانحراف! لا يزال التباين بين هؤلاء وبين الطبقة الجديدة (الألفرنكة) محسوسا، وهؤلاء لا يكتمن إلا ما يجب كتمانه على الوجه الصحيح، هذا كله راجع إلى تربية الوجدان واختلاف تلك التربية باختلاف الوسط والزمان. هذا من جهة المرأة وحدها، وهناك سبب لكثرة الخلاف والتذمر الآن يرجع إلى الرجل وحده وإليك البيان: رجال الأمس على جمعهم بين زوجات متعددات كانوا أتقى منهم اليوم، فرجل العصر (الشاب والكهل) تراه يتبجح بأن له خليلات، وأنه بجماله ورشاقة قده واهتزاز أعطافه يسبي ربات الحجال بما فيهن المحصنات، وقد يتقول حكايات لا أصل لها في هذا الموضوع مما تندى له الجباه. ولعمري إن الجمع بين زوجتين - على ما فيه - لأحسن من التهتك وانتهاك حرمة الدين وإيلام نفس المرأة وتنغيص حياتها، يا لله أليس لها قلب يتأثر وشعور يحس وعواطف تثور؟! وقد أصبح رجالنا بفضل هذا التفرنج يعدون من لا يشرب الخمر جهارا، ومن لا خليلة له يترامى على قدميها أو تترامى على قدميه (أنتيكه) في عرفهم؛ فلله درهم!
والأغرب من ذلك، أنك إذا ذكرت للشاب أو أبيه شيئا مما يأتيه أجابك هذه هي الحرية الشخصية (على كيفي)، أو قال: أنا رجل وليس علي عار في هذا. فلله أنت ولله أبوك! ائتني بآية من القرآن، أو إن كان القرآن عندك أيضا (أنتيكه)، فائتني بمادة من القانون الفرنسي الذي تقاليد واضعيه وأهله تحرم التهتك على النساء دون الرجال، وتجيز للآخرين الرذيلة وتمنعه الأول، إذا صح عندك إباحة السفاح لأنفسكم فأسهل منه، وحقكم أن نجيز لكم السرقة بأنواعها والقتل والسلب والتزوير إلى آخر ما يحرمه الشرع والقانون، وإلا فلماذا تختارون أكبر الرذائل وتعدونها سهلة لا إثم فيها وتأنفون إذا قلنا لكم: سرقتم؟!
لا أخالكم تتشدقون بقولكم عند النصح: (إنا رجال) إلا لأنه لا تظهر عليكم عوارض الخيانة بخلاف المرأة والفتاة فلهما من أحوالهما الطبيعية المختصة بهما ما لا يأمنان معه شر الفضيحة والعار، فإن زعمتم أن التقوى هي خوف النتيجة المحسوسة وأن الذمة والضمير لا يردعان ولا يمنعان المرء من إتيان المعاصي؛ فبعدا لما تزعمون وساء ما تتوهمون.
وليت هذا السلوك الفاصم لروابط الألفة بين الزوجين يقف عند هذا الحد، بل له عواقب أوخم من التذمر، وأسوأ من البغض، وهي شطط المرأة بباعث الانفعال والحزن أو الانتقام والخبث وخروجها متبرجة في الطرقات أو وقوعها في مهواة الرذيلة وسقوطها السقوط الأبدي، والعياذ بالله! وفي تلك الحال يلام الرجل لأنه شجعها على ما أتته بما يأتيه هو، وهي تعتقد أنها بشر مثله ويحق لها من الحرية الشخصية بقدر ما يحق له فضلا عن اعتقادها بأنه قدوتها، يبعث ظلم الرجال وسوء سيرتهم النساء إلى السقوط في الرذيلة فيسقطن إلا من عصم ربك، وهؤلاء تمنعهن تربيتهن الصحيحة وشرف مبادئهن عن الإخلال بالدين والآداب، ولكن يصبن في الغالب بحمى الدماغ أو الهستريا والجنون أحيانا، وتكثر همومهن ويعدمن لذة العيش، فيا للظلم! لماذا يشقى عضو من المجتمع الإنساني خلقه الله ليكون سعيدا؟! يشقى لاستبداد الرجل ويضحي بحياته ليتنعم الرجل، فإذا أردتم أيها الرجال أن ترفرف السعادة على بيوتكم فاختاروا الزوجة الملائمة، كل بحسب ما يرى؛ إذ (لكل امرئ فيما يحاول مذهب)، ولا تقيدوا أنفسكم بأفكار العجائز والمشيرين، ثم اسلكوا سبيل الجد في الحياة، فقد كفاكم هزلا أن استعبدنا للغير ونحن لاهون، واجعلوا من أنفسكم صراطا تتبعه زوجاتكم، فإن كنت أيها الرجل عاقلا فلتكن زوجتك مثلك، وإن كنت خليعا فامرأتك خليعة، وإن أسرفت أسرفت وإن فترت فترت، وهذا بحكم تأثير المعاشرة في الخلق، والعادة بالطبع ولإرضاء الزوج من جهة أخرى؛ لأن كلنا يعلم أن الملائمة هي أس الاتفاق، فإذا اجتمع عاقل بمجنون شقي والعكس بالعكس، فترى العقلاء معا فرحين والمجانين معا على أتم ما يكون من الجذل، وكذلك الحال في العلماء والجهال، وكل شيء له نقيض فإن الثعالب لا تتفق مع الدجاج، والجرذ لا يتوقع أن يكون أليفه الهر.
وفي المرأة صفة غريزية هي تقليدها الرجل؛ لأنها تعتقده مرشدها ومعينها أبا وزوجا. وقد ذكرني ذلك بمحادثة دارت بيني وبين سيدة إنكليزية، من صواحب اللادي كرومر أيام إقامتها بمصر، فسئلت تلك السيدة: «إني ألاحظ أن اللادي تترك التأنق في ملبسها شيئا فشيئا؛ فهل تعرفين سببا لذلك؟» فأجابت: «إنها تتعمده لتكون هيئتها أقرب إلى التقدم في السن منها إلى هيئة الشباب؛ لأن زوجها شيخ وتحب أن لا تسوءه بفكرة أنه مسن وأنها أصغر منه سنا بكثير.» ألا فلينتبه الرجال لذلك، وليتقوا الله في نسائهم وأعراضهم، وليعلموا أن التقوى مطلوبة في السر والعلن وأن الله يرى. يا قوم تداركوا الأمر قبل فواته، فإن كنتم ترضون لنظام بيوتكم بالاختلال، وللثقة بينكم وبين أزواجكم بالضياع ولأمنكم بالتأخر، فاستمروا على فسادكم. وإن كانت فيكم بقية غيرة وحمية وتحبون وطنكم كما تدعون؛ فأصلحوا أحوالكم تصلح حال نسائكم، ونقوا ورد بيوتكم من شوك الهم، وسنوا سنة صالحة لأبنائكم وبناتكم من بعدكم يكن لكم أجرها إلى يوم الدين، ولله عاقبة الأمور. (2) الحجاب أم السفور
رد على خطبة ألقاها حضرة عبد الحميد أفندي حمدي بشأن الحجاب. •••
অজানা পৃষ্ঠা