قام المرحوم قاسم بك بالدعوة إلى تربية المرأة على أصول التربية النافعة بشجاعة عديمة المثال، واقتفى أثره في ذلك بعض الكتاب، حتى انتبه هذا الجنس اللطيف وتولى بعض أعضائه الدفاع عن ذاته، وأول من سارت منهن في هذا الطريق هي باحثة البادية. نعم أولهن؛ لأنها أخذت تبحث في نسائياتها بحث الجاد الذي يعلق على بحثه نتائج كبرى لصلاح المرأة، بل لصلاح الجمعية الإنسانية. أخذت تكتب في الدفاع عن حقوق المرأة وتخطب فيما يجب لإصلاح المرأة، فكان مجموع رسائلها وخطبها هذه المجموعة التي نضع لها هذه المقدمة.
ولو صح نظري لكانت قاعدة بحثها في تحرير المرأة قاعدة الاعتدال، ورائدها في ذلك هو الشرع الإسلامي.
لقد أجادت باحثة البادية في جعل بحثها مرتبا على هذا النمط المعين؛ فإن الاعتدال في تعليم المرأة وتربيتها، وتقرير الحد اللازم أن تقف عنده في المساواة بينها وبين الرجل، الاعتدال في ذلك كله أمان من الزلل والوقوع في نتائج سيئة قد لا تكون أقل في سوء الأثر من نتائج خمول المرأة وقعودها عن السعي إلى كمالها الخاص. وإنا نكرر دائما أن المساواة المطلقة لم تجرب بعد؛ فأبصر بالباحثة إذ رأت تقرير المساواة المعتدلة والبعد عن الإطلاق الذي هو يخالف الدين من ناحية ويخالف الحيطة من ناحية أخرى!
أما الدين فإنه ملاك أخلاق المرأة ومناط آدابها وطريق كمالها وموجب الثقة بها، إن تقوى المرأة أكبر الأدلة على صونها ومعرفتها بالواجب وحسن قيامها به، إن شهود المرأة صلاة الجماعة في المسجد الجامع مرة واحدة أصلح لقلبها من سماع واعظ أخلاقي في الدار أو في المدرسة سنة كاملة.
وإن تقليد المرأة الشرقية لأختها الغربية نافع، ولكن هذا التقليد إلى اليوم ليس بحسنة جديدة ما دام أنه خلا من النوع الخاص بالدين؛ فإن الغربية تذهب إلى معبدها مرة في الأسبوع على الأقل، والمسلمة الشرقية لا تذهب إليه في مصر أبدا، كأن دخول بيت الله أثقل كلفة عليها وأبعد عن رضى وليها من دخولها في بيوتات التجارة وشهودها مراسح اللهو، إلا أن حضور النساء صلاة الجماعة على صورة لائقة ومن غير إسراف هو أول عمل حسي تأتيه المرأة لتقرب به مسافة الفرق بينها وبين الرجل ولتقرر به المساواة المنشودة.
إن رابطة الزوجية عندنا رابطة دينية محضة، ولا نعلم امرأة تحترم نفسها تستطيع أن ترتبط برجل إلا بهذه الرابطة الشريفة المقدسة، ومما نعجب له أن المرأة تعمل أعمالا كثيرة شاقة في سبيل توثيق هذه الرابطة، ولكنها لا تعمل الشيء الوحيد الذي يوثقها حقيقة، وهو القيام بفرائض الدين الذي عليه عقد الزواج، والذي هو المنظم الوحيد لعلاقات الزوجية، فمراعاته أساس لدوامها ومخالفته سبب لفصم عراها ونقض عقدة الزواج، ولو فطنت المرأة لأدركت أن تقوى الله والقيام بطاعته تكفي وحدها لثقة الزوج بها، وتمنع كل الشقاق الزوجي الذي يتولد عن الظنة والغيرة.
وقصارى القول: إن باحثة البادية قد أجادت كل الإجادة في أن جعلت أساس بحثها تقرير المساواة، لا على جهة الإطلاق، بل في حدود الاعتدال والدين.
فأما انتقاد رسائلها من جهة صناعة الكتابة فحسبي أن أقرر من غير محاباة أنها أكتب سيدة قرأنا كتاباتها في عصرنا الحاضر، بل هي تعطينا في كتاباتها صورة الكاتبات الغربيات اللاتي تفوقن على كثير من الكتاب، وليس نبوغ السيدة ملك حفني عملا من أعمال الصدفة، بل هو قضية علمية مقررة؛ لأن هذه الكاتبة من بيت علم وأدب، انتقل إليها من أبيها حفني بك ناصف بحكم الوراثة الطبيعية ذوق الكتابة وملكة الانتقاد الصحيح، فنما استعدادها بالتربية المدرسية والاجتهاد بعد المدرسة حتى وصل هذا الحد المتقدم.
ورجاؤنا أن تكون مجموعة الباحثة أول أبحاث السيدات في هذا العصر وليس آخرها، وأن تكون السيدة «ملك حفني ناصف» القدوة الحسنة للسيدات المصريات آمين.
أحمد لطفي السيد
অজানা পৃষ্ঠা