নিদা হাকিকা
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
জনগুলি
وترجمة هيدجر لكلمة «الأليثيا» اليونانية - التي تفيدنا القواميس بأنها هي الحقيقة - باللاتحجب (أو سلب الحجب والخفاء) ليست مجرد ترجمة لفظية، وإنما هي محاولة للنفاذ إلى التجربة الأصلية التي ارتبطت منذ القدم بهذه الظاهرة، والكشف عن «الحدث» الذي كانت تنطوي عليه رؤية اليونان الأول لها، وهذا هو الملمح الظاهرياتي (الفينومينولوجي) الذي يكتشفه هيدجر عند فلاسفة الإغريق في فجرهم الشاعري، كما يكتشفه عند أرسطو، «فاللوجوس» عند أرسطو كشف أو إتاحة رؤية الموجود الذي ينقل - من خلال القول - من التحجب إلى اللاتحجب، ومن الخفاء إلى الظهور، أي أن القول في صميمه كشف وإظهار (أبوفانسيس وأليثويين)، ولكن ما هذا الذي يكشف عنه القول وينتزعه من الحجب ويتيح له أن يرى من ناحية وجوده؟ إنه الشيء نفسه الموجود من ناحية تكشفه أو الأسلوب الذي ينكشف به.
122
لن يقف هيدجر عند هذا الحد من تفسيره «للأليثيا»، وسيواصل التفكير فيها في بحوثه ودراساته التالية من «ماهية الحقيقة» إلى «موضوع الفكر»، ولكن الذي يهمنا في هذا السياق أنه حاول في هذه المرحلة المبكرة من تفكيره أن يبين الارتباط بين الأليثيا (اللاتحجب) والموجود الإنساني، بيد أن «الأليثوين» (اللاحجب أو إظهار الحقيقة) إنما هو فعل يقوم به الموجود الإنساني وأسلوب من أساليب وجوده،
123
حين يكشف الموجود أو يرفع عنه الغطاء، فالحق هو هذا المسلك الذي يسلكه الموجود الإنساني، كما هو في نفس الوقت ذلك الذي ينكشف من خلال المسلك - أي ذلك الموجود الذي ينكشف - ولهذا يطالبنا هيدجر بأن ننظر إلى المسلك الذي يمكن من الكشف على أنه هو الظاهرة الأصلية نفسها للحقيقة، هذا المسلك هو الذي وصفناه - كما رأينا من قبل - بانفتاح الموجود الإنساني، وإن شئنا المزيد من الدقة فهو الوجود-في- العالم الذي يتركب من التوجد (التأثر الوجداني-الوجدانية) والفهم والكلام ليتحد فيما سميناه «بالهم»، وهذا الهم يوحد بدوره بين الانبثاقات الثلاثة للتزمن وهي المستقبل والماضي (الانقضاء) والحاضر.
إن تعبير هيدجر المشهور «إن الموجود الإنساني يكون في الحقيقة»
124
لا يعني بطبيعة الحال أنه يملك الحقيقة كل الحقيقة - فذلك شيء لا يقبله عقل ولا يسيغه ذوق - وإنما يعني أنه قادر على الكشف، أي على انتزاع الحقيقة وإظهارها من طوايا التحجب والخفاء عن طريق التصميم، ولا تتأتى له هذه القدرة على الكشف عن الموجود وتقريبه وتبيينه وتشكيله وتناوله بالبحث ... إلى آخره، إلا لأنه قادر على اتخاذ مسلك من نفسه، أي على الانفتاح.
ربما اعترض معترض بأن الأمر لا يخرج عن وضع كلمة الموجود الإنساني (الدازاين) في مكان كلمة «الذات» وأنه لا يعدو أن يكون صورة جديدة من هذه الصيغة الفلسفية الحديثة: «الوعي هو الوعي بالذات»، ولكن هذا الاعتراض وأمثاله يخطئ تفكير هيدجر ويخرج عنه منذ البداية، فمفهوم الموجود الإنساني مختلف تمام الاختلاف عن مفهوم الوعي، ولا يمكن أن يكون كلمة جديدة وضعت في مكان كلمة قديمة، وسيزول هذا الاعتراض إذا عرفنا أن هيدجر ينأى بنفسه عن «الذاتية» و«الإنسانية» بمعانيها التقليدية التي تأكدت منذ ديكارت وعبر المثالية الألمانية حتى كيرجورد ونيتشه، كما أنه ينظر إلى الموجود الإنساني منذ البداية على أنه «وجود-في-العالم» ويرتب على ذلك نتيجة لم تكن تخطر للفلسفة الحديثة على بال، إنه لا ينطلق من ذات معزولة أو منعزلة، يكون عليها بعد ذلك أن تنتقل إلى «المتعالي» - سواء فهمناه بمعنى الوجود أو العالم الخارجي أو بمعنى العالم أو الله - وإنما يبدأ من الموجود الإنساني من حيث هو وجود- في-العالم، فيؤكد البناء الأساسي الذي يتميز به ويوضح كل ما يرتبط به من «وجودات» تقوم على تزمنه، وكلها آراء لا يشك منصف في أنه لم يسبق إليها.
إن الوجود-في-العالم يعني أن انفتاح الموجود الإنساني يتعلق ببناء الهم الذي منه يتركب هذا البناء الكلي من وحدات المشروع (تزمن المستقبل حيث يشرع الإنسان نفسه - إن صح هذا التعبير! - وينزع إلى تحقيق إمكاناته مع انفتاحه على عالمه) والإلقاء (الرمي-الانقذاف حيث يجد الموجود الإنساني نفسه في عالم وجد من قبل، وحيث يفترض هنا تزمن الماضي أو الانقضاء) ولنتذكر هنا أن أمام الموجود الإنساني سبيلين؛ فإما أن يتمكن من فهم نفسه على ضوء إمكاناته الصميمة، وعندئذ يكون في الحقيقة، وإما أن يفهم نفسه من خلال العالم الذي أضاع نفسه فيه ويضيعها أبدا، وعندئذ يكون في اللاحقيقة والزيف، وإن كان في الأغلب الأعم يحيا في هذه الحال الأخيرة، ويعيش - كما رأينا من قبل - وجوده اليومي «ساقطا» في اللاحقيقة، إنه يحيا دائما في الحقيقة واللاحقيقة على السواء؛ ولهذا يتحتم عليه أن يحافظ باستمرار على ما اكتشفه أو كشف عنه، حتى لا يسقط في التنكر والمظهر، وهكذا يكون عليه أن ينتزع التكشف من المظهر، كما كان عليه أن ينتزع الحقيقة من اللاحقيقة، ولعل هذا أن يكون مصداقا لكلمة جوته المشهورة في القسم الثاني من فاوست: «لا يستحق الحرية والحياة إلا من يغزوهما كل يوم.»
অজানা পৃষ্ঠা