وتضايق درش فمع أن أهدافه منها كانت قد تبلورت في إجراء حديث ما معها، إلى أن يأتي ترامها وتمضي، إلا أن هذا الموقف منها قد ضايقه، بل جعله يحس مرة أخرى باللامبالاة حتى لو غضبت منه. إنها لحظة خاطفة يقضيها معها، ولن يرى وجهها بعدها أبدا. فليحدث ما يحدث ... إذن فها هو ذا أخيرا وبعد كل تلك الجهود المضنية الضائعة قريب من امرأة نمساوية أصيلة تحادثه ويحادثها، وتضحك لكلامه وتصغى إليه. وكادت لا مبالاته تبلغ به حد أن يطلب منها مثلا أن ترافقه إلى فندقه.
ولكنه لم يفعل، ففي تلك اللحظة جاء ترامها ووقف، وبنفس ابتسامتها غادرته وهي تشير له لتريه المحطة التي يمكن أن يأخذ منها الأوتوبيس إلى فندق زاخر. صعدت إلى الترام المضيء ذي الركاب القليلين وبقي هو واقفا على المحطة لا يدري ماذا يفعل. ينظر لها عبر نافذة الترام ويبتسم، وهي أيضا تنظر إليه وتبتسم، وأشار لها إشارة مع السلامة، فأومأت برأسها مجيبة. وكان معنى هذا أن خلاص، انتهت تلك المعرفة الخاطفة، وعلى كل منهما أن يذهب لحال سبيله.
ولكن ... فجأة وجد درش نفسه يصعد إلى الترام ويجلس على المقعد الذي بجوارها وبدا عليها انزعاج، لم يكن - كما توقع - انزعاجا كبيرا مذهلا. وقالت له: ولكن هذا الترام ليس ذاهبا إلى فندق زاخر، إنه ذاهب في الاتجاه المضاد.
فقال لها بكلمات إنجليزية وبابتسامة مصرية ماكرة: ولو.
فعادت تسأله بدهشة: إلى أين أنت ذاهب إذن؟
وتردد قليلا، ولكنه ما لبث أن قال: ذاهب إلى حيث تذهبين.
وقالت له وثمة قلق بدأ ينتاب ملامحها: ولكني ذاهبة إلى بيتي في الضواحي. - حسنا! سأذهب معك.
وازداد الانزعاج في وجهها وقالت: اعذرني، ولكن تصرفك هذا شاذ.
فقال لها وهو سادر في مصريته: اعذريني، إنه ليس تصرفا شاذا، إنه في الحقيقة تصرف مجانين .
وأصبح انزعاجها خوفا، أو بمعنى أصح بوادر خوف، فقد انكمشت بعيدا عنه في المقعد وسكتت، وكان واضحا أن سكوتها سكوت عجز ... إذ ماذا يمكن أن تقول أو تفعل؟
অজানা পৃষ্ঠা