قال هذا وهو يتفرس في ملامحها، واطمأن بعض الشيء حين لم يجد فيها أي استنكار لعودته أو لسؤاله الذي حاول أن يكون ذكيا فجاء أغبى ما يكون.
وقالت له: أجل، في الواحدة إلا ربعا تماما. وإذا أردت الذهاب إلى فندق زاخر يمكنك أخذ الأوتوبيس الذي يقف هناك. سيجيء بعد دقائق.
وقال لها: أشكرك كثيرا.
وسكت ولكنه لم يتحرك، ولم تتغير ملامحها هي الأخرى أو تتحرك، وفجأة سألها: نمساوية أليس كذلك؟
قالت: أجل طبعا. - تنتظرين الأوتوبيس؟ - الترام. - ذاهبة بعيدا؟ - إلى الضاحية.
كان يسألها محاولا أن يجد خيطا واحدا يجذبه ليمتد الحديث، ووجد في إجابتها الأخيرة فرصة. فقال لها: الضاحية بعيدة؟ - نصف ساعة. - ياه ... مسافة طويلة.
قالها وهو يرسم اندهاشا أكثر من اللازم على ملامحه. وقال لنفسه: امض خطوة أخرى وليكن ما يكون.
وهكذا مضى يحدثها ذلك الحديث الذي أتقنه كثيرا في الباخرة والقطارات والفنادق التي حل بها، الحديث الذي يدور بين أي أجنبي وأي صاحب بلد. الجو. كم هو رائع في مصر! ويا لفظاعة أوروبا في الشتاء! النمسا عانت من الاحتلال طويلا، والآن أصبحت بلدا مستقلا ... نحن أيضا أصبحنا بلدا مستقلا. المصريون يحبون النمساويين جدا، ونحن أيضا نسمع عن مصر والمصريين.
وطوال الحديث وبينما كان درش يسأل ويجيب وينكت كانت حاسته السادسة، والحاسة السادسة عند درش حاسة جنسية مائة في المائة وظيفتها استقبال أي تجاوب يبدو من أية امرأة تحادثه.
كانت تلك الحاسة تحاول أن تستقرئ طيف انفعال، أو لمحة أو بادرة تدل على أن هناك أي استجابة ... تحاول بلا فائدة، فقد عجزت تلك الحاسة تماما عن معرفة كنه موقفها الحقيقي، وهل هو رغبة أو رفض، وكأن ملامحها مكتوبة هي الأخرى بلغة ألمانية لا يستطيع فهمها أو إدراكها، بل خيل إليه أنه كان من الممكن أن تتحدث هكذا مع أي إنسان غيره حتى ولو لم يكن أجنبيا أو بشعر أسود أكرت مثله، مع أن الحديث كان قد تكفل بتشكيل ابتساماتها وتغيير ملامحها فأصبحت تضحك أحيانا وأحيانا تدهش، وتصغى وأحيانا يبدو عليها الاهتمام.
অজানা পৃষ্ঠা