وأكلف اللسان مكابدة حمل الكتمان، وأسر من الصبابة ما أعلنه دمع الأجفان. أتكتم رائحة الطلا؟ وهل يخفى على ذوي الأبصار ابن جلا؟ لقد برح الخفاء، وأطلت يا رقيق الحاشية شقة الجفاء، وأشمت الأعادي، ومددت ظل التمادي، وزدت في الهجر والبعاد، وكلمت القلب بألسنة الصعاد. فجد بالتداني، واسمح بنيل الأماني، وارحم والهًا وأبدت ظلمة الفراق فرقه، وتصدق على مدنف سائل دمعه يقبل الصدقة. وألن قلبك القاسي، وعد عن التنائي والتناسي، وارع الود القديم، وأبدل شقاء محبك بالنعيم، ولا تعدل عن منهاج المعدلة، وسلم فقد أخذت حقها المسألة. واغمد سيف حيف صيرته مسلولا، وأوف بالعهد ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا﴾.
الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب
كان لي صديق مغرى بشرب الرحيق. غزير الفضل والآداب، كثير اللهج بذكر مجالس الشراب، وكان يود حضوري عنده، وأنا لا أبلغه مما يود قصده. فأتاني حينًا من الأحيان، يدعوني إلى مجلس بعض الأعيان، وألزمني بأن أحالفه، مقيمًا على ألا أخالفه، فأجبت إلى المحاضرة، مشترطًا عدم المعاقرة. فقال: أجل أيها الأجلّ، وسآتيك إذا هزم النهار واضمحل. فلما آنس قدوم الليل، آب يسحب سحائب الذيل، وهو يقول:
1 / 67