وقلت تعظيمًا لأمره: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾. وانشرح صدري بالوقوف على مغانيها، وجاد فكري حيث جال في معانيها، وامتلأ قلبي من نورها نورًا، وانقلبت إلى أهلي مسرورًا.
الفصل العاشر: في وصف الغلام
بينما أنا جالس في بعض الحدائق، وحولي رفقة هذبتهم الحقائق، وحسنت منهم الأخلاق بين الخلائق، مر بنا غلام يخجل بدر التمام، من بني الأتراك، الناصبين مصائد الأشراك، بديع الجمال، أين منه الغزالة والغزال؟ لطيف الشمائل، يختال بين الخمائل، تمتد لرؤيته من الزهور الأعناق، وتستتر الغصون حياء منه بالأوراق. وهو ممتط صهوة جواد أشهب، لا يبلغ البليغ حصر وصفه ولو أسهب:
ساحر الطرف وافر الظرف أحوى ... خده الأبيض اللجين مذهب
لا تلمني على اعتقادي هواه ... مذهب الوجد فيه أحسن مذهب
فلما حاذى مثوانا، حيانا فأحيانا. فتلقيناه بالترحاب، ودعوناه فأجاب، فحصلنا من حضوره على المقصود، وتحققنا أن يومنا بمشاهدته مشهود. فأطلت في محاسنه نظري، وأجلت في ذاته وصفاته فكري، فإذا له ذؤابة تذيب المهج، وتدرج في
1 / 43