وبعد: فإن الحق مع سيبويه، والقرآن الكريم أصدق شاهد له، يقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ ١ وعلى نمط هذه الآية آي كثيرة، ولو ثبت النصب لكان خارجا عن القياس واستعمال الفصحاء، ولذا تمحل النحويون في تخريج هذا النصب على أوجه ثم تعقبوها، ذكر بعضها الرضي في شرح الكافية باب الظروف، وأفاض القول فيها الأعلم الشنتمري، ونقل كلامه المقري في نفح الطيب في فصل برأسه في الجزء الثاني عنوانه "المسألة الزنبورية" وأجاد التفصيل لها ابن هشام في المغني الباب الأول مبحث "إذا" فذكر خمسة مع التعقيب على كل وجه بما يفنده، وخلاصة هذه الأوجه: الأول: أن الظرف وهو "إذا" نصب الضمير لأن فيه معنى وجدت، والثاني: أن الضمير المنصوب استعير من مكان ضمير الرفع، والثالث: أن الضمير مفعول به والأصل: فإذا هو يساويها ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، والرابع: أن الضمير مفعول مطلق والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها ثم حذف الفعل والمضاف، والخامس: أن الضمير منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف والأصل: فإذا هو ثابت مثلها ثم حذف المضاف فانفصل الضمير، وقد جمع هذه الأوجه الخمسة مع الاختصار أحمد بن الحسن الجوهري المتوفى سنة ١١٨٢هـ في هذا النظم:
وفي ضمير النصب تاليا إذا ... تعدد التوجيه فادر المأخذا
مفعولها أو نائب المرفوع ... أو نصبه بفعله المقطوع
أو أنه مفعول فعل مطلقا ... أو معرب حالا أنيب فارتقى٢
ولخطورة هذه المناظره نوهت عنها أغلب كتب الأدب والتراجم والتاريخ فقد ذكرت في أمالي الزجاجي كما ذكرت في ترجمة سيبويه في طبقات الزبيدي والفهرست ونزهة الألبا ووفيات الأعيان ومعجم الأدباء وأنباه الرواه غير
_________
١ سورة الشعراء، الآية: ٣٣.
٢ الأبيات في الإنبابي على الصبان، وترجمة الجوهري في الجبرتي.
1 / 46