الثاني: طور النشوء والنمو:
هذا الطور من عهد "الخليل بن أحمد البصري، وأبي جعفر محمد بن الحسن الرؤاسي" إلى أول عصر "المازني البصري وابن السكيت الكوفي".
فهذا الطور مبدأ الاشتراك بين البلدين في النهوض بهذا الفن والمنافسة في الظفر بشرفه، فقد تلاقت فيه الطبقة الثالثة البصرية برئاسة الخليل، والأولي الكوفية بزعامة الرؤاسي، وكذا بعدهما طبقتان من كل من البلدين فوثب هذا الفن وثبة حيي بها حياة قوية أبدية بعد، وكان هذا الطور حريا أن يسمى طور النشوء والنمو.
ونقصد الآن بالنحو معناه العام الذي يشمل مباحث الصرف لأن مباحث رجال الطور الماضي كانت منصرفة حول أواخر الكلمات كما عرف عنهم بخلاف رجال هذا الطور، فإنهم قد اتجهت أنظارهم إلى مراعاة أحوال الأبنية أيضا، فقد راعهم ما اعتورها من خطأ يجب درؤه، وذلك أنهم ما حاولوا صون الكلام من غوائل اللحن في أطرافه إلا ضنا به ألا ينهض بالإفادة والاستفادة المقصودتين منه، ورعاية أواخر الكلمات بقوانين النحو، وإن كفلت دفع اللحن عن الكلام وأصلحت هيكله الصورى للتأدية العامة إلا أن تلك التأدية لا تتم فيه إلا إذا سلمت جواهر أجزائه التي يتقوم بها، وما تأخرت ملاحظتها لهذا الحين إلا لقلة العثرات فيها بالإضافة إلى العثرات التي كانت تعترض الكلام في أواخر أجزائه، ولأن الخطأ فيها لا يذهب بالمعنى المقصود للمتكلم كالخطأ في أواخر الكلمات، كما لمست هذا في سبب وضع النحو.
فمن هذا الحين ظهرت مباحث الصرف في طي كتب النحو وشغلت منها فراغا وعم الأمرين اسم النحو، واستمر هذا الاندماج طويلا من الزمن حتى تدوول في بعض كتب المتأخرين، ولذا عرف بعضهم النحو بأنه: علم يعرف به أحوال الكلم العربية إفرادا وتركيبا ليشمل الأمرين.
نعم قد تقلص عن كتاب النحو من أوائل هذا الطور ما لا يتصل به هذا الاتصال الوثيق كمباحث اللغة والأدب والأخبار ولا ريب أن للصرف من بين سائر علوم اللغة العربية قرابته الدنيا بالنحو، على أن الخليل وهو غرة جبين هذا الطور قد جمع بين اللغة والنحو فإنه ذكر في كتاب العين الذي هو الأساس لكتب اللغة فيما نعلم مقدارا كبيرا من النحو.
ابتدأ هذا الطور وأخذت العلماء في كتب النحو ومباحثه سمتا آخر غير
1 / 35