وفيما يلي تحليلات لأمثلة من قضايا الرياضة نوضح بها ما نذهب إليه من أنها تكرارية كلها؛ فضرورة صدقها ويقين ذلك الصدق ناشئان من أنها في صميمها خالية من المضمون، ولا تقول شيئا إيجابيا عن العالم بحيث تتعرض فيه للخطأ.
5
خذ هذه القضية في الحساب «2 + 2 = 4» التي هي مضرب الأمثال بيقينها، واسأل: من أين جاءها هذا اليقين؟ هل يتوقف صدقها اليقيني حتما على أنها مطابقة لحالات الواقع فوق صدقها الناشئ عن تكوينها وبنائها؟ بعبارة أخرى، هل هي يقينية ضرورية لأنها تحصيل حاصل كما نقول نحن، أم لأن العالم يجري مجرى الحقائق الرياضية كما يقول الفلاسفة العقليون؟ هل هي قضية تحليلية تكرارية تحليلا صرفا وتكرارا خالصا، بحيث لا يكون فيها قط ما يقتضي أن تشير به إلى شيء في عالم الأشياء، أم هي تركيبية إخبارية تصور العالم الخارجي على الرغم من أن صدقها لا يتوقف على خبراتنا بذلك العالم؟
لهذه الأسئلة إجابات ثلاث تختلف باختلاف المدارس الفلسفية؛ فهنالك - أولا - العقليون الذين يرون إمكان الجمع في قضية واحدة بين أن تكون مخبرة عن العالم وأن تكون في الوقت نفسه قبلية غير معتمدة في تحصيلها وإدراكها على خبرة الإنسان بالعالم. نعم، قد يختلف الفلاسفة العقليون فيما بينهم على أي القضايا يكون فيه هذا الجمع بين تينك الصفتين، أهي قضايا الرياضة وحدها، أم هي قضايا الرياضة والطبيعة على السواء، لكن يكفينا أن يعتقد الفيلسوف في قضية واحدة يقول فيها إنها صادقة على الخبرة الحسية دون أن تكون مستقاة من خبرة حسية لنقول عنه إنه فيلسوف عقلي يأخذ بهذه الوجهة من النظر.
وهنالك - ثانيا - فلاسفة المذهب التجريبي في صورته التقليدية، كما يتمثل مثلا في جون ستيوارت مل ، وهم يقولون أن ليس هنالك قضية واحدة يمكن أن تجتمع فيها صفتا الإخبار والضرورة معا؛ لأن القضية إن أخبرت بشيء كان معني ذلك احتمال تعرضها للخطأ فيما أخبرت به؛ ولهذا ترى هؤلاء التجريبيين ينكرون بتاتا أن تكون هنالك قضية ضرورية الصدق، حتى قضايا الرياضة والمنطق - في رأي «مل» - إن هي إلا حصيلة الخبرة؛ وبالتالي يجوز عليها البطلان.
وثالثا هنالك أنصار التجريبية المنطقية - أي الوضعية المنطقية - فهم كالتجريبيين التقليديين ينكرون في حسم أن تجتمع صفتا الإخبار والضرورة معا في قضية واحدة، إلا أنهم على خلاف أنصار التجريبية التقليدية، لا يرون أن قضايا الرياضة والمنطق مستقاة من الخبرة الحسية، بل هم يقولون إن القضية إما أن تكون إخبارية؛ وبذلك يستحيل عليها أن تكون ضرورية الصدق، وإما أن تكون ضرورية الصدق؛ وبذلك يستحيل عليها أن تكون إخبارية، بل إنها في هذه الحالة تكون تحصيل حاصل، تكرر جزؤها الأول في جزئها الثاني دون أن تضيف نبأ جديدا.
وهذه الإجابة الأخيرة هي ما نأخذ به، ونعود إلى المثل الذي سقناه لنجري عليه عملية التحليل، وهو «2 + 2 = 4»؛ فهذه قضية ضرورية الصدق، لكنها في الوقت نفسه لا تقول شيئا مما يمكن أن تتعرض به للخطأ؛ فنحن وإن كنا نستطيع الحكم على صدقها «قبل» الرجوع إلى الخبرة، إلا أن ذلك نفسه معناه أنها خاوية لا تنبئ بشيء، شأنها شأن العبارة القائلة إن الماء هو الماء. وهاك التحليل الذي يبين ذلك:
العدد 4 معناه بحكم القضية نفسها هو 2 + 2.
العدد 2 معناه بحكم التعريف 1 + 1.
إذن فقولنا 2 + 2 = 4 مساو لقولنا 1 + 1 + 1 + 1 = 1 + 1 + 1 + 1. فإذا كان هذا القول يقيني الصدق وضروري الصدق، وصدقه يعرف بغض النظر عن أي خبرة بأشياء العالم الخارجي، فلأنه تكرار لا خبر فيه. وها هنا قد يختلط الأمر على القارئ فيسأل: ألسنا في عالم الأشياء نرى شيئين مضافين إلى شيئين تكون أربعة في مجموعها؟ فقلمان وقلمان أربعة أقلام، وبرتقالتان وبرتقالتان أربع برتقالات، وهكذا؟ كيف إذن نزعم أن لا علاقة بين هذه القضية الرياضية وبين عالم الأشياء؟
অজানা পৃষ্ঠা