ولذلك قال قطبة بن سيار حكيم فزارة حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة: عليكم بالحديد الذهن، الحديث السن. يعني أبا جهل. فهذا كله دليل واضح، وبرهان بين.
ولعل قائلا أن يقول: إنما الفضل في خشونة الملبس؛ وليس ذلك لمن مدحت، ولا هذه صفة من وصفت.
وهذا باب - أبقاك الله - قد يغلظ فيه العاقل ما لم يكن بارعا، والفطن ما لم يكن ثاقبا، والأريب ما لم يكن كاملا . ولو كان الفضل والرياسة والقدر والنباهة على قدر قشف الجلدة وبذاذة الهيئة، وكثرة الصوم، وإيثار الوحشة والسياحة لكان عثمان بن مظعون متقدما لأبي بكر الصديق رضوان الله عليه، ولكان بلال بن رباح غامرا لعثمان بن عفان رضي الله عنهما.
وقد قال ابن شهاب الزهري: ليس الناسك إلا من غلب الحرام صبره، والحلال شكره.
فهذا ما حضرنا من القول، وأمكننا من الاحتجاج. وما أشك أن من خبر أمرك أكثر من اختباري كان عنده أكثر من علمي. وعلى أن منظرك - أسعدك الله - يغني عن المخبر، والفراسة فيك تكفي مؤونة التجربة لك. وقد تقيلت بحمد الله أخلاق شيخك، واحتذيت على مثالهكما احتذى على مثال من كان قبله. ولو لم يتعقبوا أمرك، ويتصفحوا سيرتك في نفسك ثم في خاصتك وعامتك، لكان في صدق الفراسة وظهور المحبة ما تقضي به النفوس، ويستدل به المجرب.
وظن العاقل كيقين غيره.
পৃষ্ঠা ৩০১