لا أنيسه؛ فأقام رسوله وهو بمكانه لا يريمه، قد لازمه كأنه غريمه؛ فما انفصل، حتى ظن أن عارض الليل قد نصل. فلما علم أبو محمد بانفصاله بعث للمتوكل قطيع خمر وطبق ورد وكتب معهما:
إليكَها فاجْتَلِهَا مُنيرةً ... وقد خَبا حتَّى الشِّهابُ الثّاقبُ
وَاقفةً بالبابِ لم يُؤْذن لها ... إلا وقد كادَ ينام الحاجبُ
فبعضُها من المَخَاف جَاِمدٌ ... وبعضُها من الحياء ذائُب
فقلبها، وكتب إليه:
قَد وصلت تلك الّتي زَفَفْتَها ... بكرًا وقد شابَتْ لها ذوائبُ
فَهُبَّ حتى نستردَّ ذاهِبًا ... من أُنسِنا إن اسْتُرِدَّ ذاهبُ
فركب غليه، ونقل ما كان معه في المجالس، وباتا ليلتهما لا يرميان السهر، ولا يشيمان برقا إلا الكأس والزهر.
قال ذو النسبين ﵁: وقد أخذ الآن هذه البلاد ابن الريق اللعين، وحان لها يوم شر كما كان أحد يظن أنه يحين، فتملكت شنترين والأشبونة لما خاف أهلهما من القتل ورأوا أن السر دونه؛ لكثرة من جاءهم في البر والبحر، وقعود المسلمين عن الحماية لهم والنصر؛ حتى ملك الكفار معاقلهم الممتنعة، وحصونهم المرتفعة.
1 / 24