ভাষা এবং সাহিত্যে অধ্যয়ন
مطالعات في اللغة والأدب
জনগুলি
ولأولئك العلماء الأعلام مؤلفات غزيرة المادة مشبعة الفصول في تاريخ اللغات وفلسفتها ومقابلتها بعضها ببعض. استبطنوا اللغات واستخرجوا منها حقائق بنيت عليها العلوم اللسانية في لغاتهم، وأول من طرق هذه الأبحاث الجديدة في اللغة العربية - على ما أذكر - أحمد فارس الشدياق، والشيخ إبرهيم اليازجي، وجورجي زيدان، وروحي الخالدي المقدسي، وجبر ضومط، وبندلي الجوزي المقدسي، وأنستاس الكرملي، ثم انقطع العهد بتلك الأبحاث ولم تترتب عليها فائدة عملية، ولعل لذلك سببين: الأول؛ تراجع النهضة وقلة المشتغلين بها، والثاني؛ عدم الجرأة على إبداء رأي جديد، وقد خطر لي أثناء معالجتي هذه المواضيع من النظرات والخواطر ما أتجرأ على عرضه عليكم شيئا بعد شيء، وأنا لا أجهل أن رأس مالي نزر، وسأقتصر في حديثي هنا على الكلام عن أدلة البيان التي تتميز بها وظيفة الكلمة في الجملة، فأقول: تعرف وظيفة الكلمة في الجملة إما بالقرينة المعنوية، نحو: «فهم موسى المعنى»، أو «فهم المعنى موسى»، فإن الفاهم هو موسى والمفهوم هو المعنى؛ إذ لا يصح غير ذلك. وإما بالترتيب، نحو: «سبق أخي غلامي»، ولما كان كل منهما يصح أن يكون سابقا أو مسبوقا ذكرنا السابق أولا والمسبوق ثانيا؛ لأن علاقة الفعل بالفاعل سابقة لعلاقته بالمفعول. وإما بالإعراب، نحو: «ضرب زيد عمرا» أو «ضرب عمرا زيد»، فالضارب هو زيد والمضروب هو عمرو في الجملتين، وقد عرفنا ذلك ليس من المعنى لأنه يصح أن يكون كلاهما ضاربا أو مضروبا، ولا من الترتيب لأن كلمة زيد جاءت قبل كلمة عمرو في الجملة الأولى وبعدها في الجملة الثانية، وإنما عرفنا أن زيدا هو الضارب لأنه مرفوع، وأن عمرا هو المضروب لأنه منصوب، فأدلة البيان ثلاثة: القرينة والترتيب والإعراب، وهذا آخر ما وصلت إليه اللغة العربية، ولا بد أن تكون هذه الأدلة قد مرت على أدوار مختلفة قبل أن وصلت إلى صورتها الحاضرة التي ورثناها من عهد التدوين جريا على ناموس النشوء والارتقاء كما سنبينه فيما يلي.
القرينة
لا شك أن القرينة هي أقدم هذه الأدلة، وقد مر زمان طويل على اللغة كان الاعتماد في بيان المعنى فيها على القرينة وحدها، وذلك قبل أن يكون في اللغة ترتيب معلوم أو إعراب بياني، فكانوا يقدمون أو يؤخرون، وكانوا يرفعون أو ينصبون أو يخفضون أو يجزمون أو يبنون كما يجيء معهم اتفاقا لغير قصد. وإذ كان اعتمادهم في هذا الدور على القرينة وحدها فلا بد أنه كانت هناك قرائن كثيرة تختلف وضوحا أو خفاء يستدلون بها على المعنى، ولاعتيادهم الاعتماد على القرينة فلا بد أنهم كانوا يتنبهون لأدق القرائن وأخفاها، ومع ذلك فإن التفاهم كان صعبا لما يقع فيه من اللبس أو الغموض أحيانا، أو أن مواضيع الكلام كانت بسيطة يدرك المعنى منها بأقل لمحة، من تلك القرائن طبقة الصوت وهيئة إطلاقه بين أن يكون لينا أو خشنا، عاليا أو سافلا مما هو بالصوت الموسيقي أشبه منه بالصوت المنطقي كما قال اليازجي، ولا تزال آثار ذلك في اللغة إلى اليوم كاختلاف اللهجة في الاستفهام أو التعجب عنها في الخبر؛ بل لولا اختلاف اللهجة لأصبح كثير من الكلام لغوا. نكرر الألفاظ للتأكيد، مثل: «جاء الأمير الأمير»، ولكن إذا لم نرفع الصوت قليلا في اللفظة الثانية فلا تأكيد فيها ولو كررناها عشر مرات، نتبع اللفظة بأخرى لبيانها، مثل: «جاء أخوك زيد»، لكن إذا لم تكن الثانية أعلى نغمة من الأولى فلا تفيد بيانا. نستعمل «إن» للتأكيد ولكن إذا لم نجعل النبرة شديدة على النون فلا تفيد تأكيدا، إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال للإفاضة فيه؛ بل إن اللهجة قد تقلب المعنى إلى ضده، يقال إنه حكم مرة على رجل أن يقف أمام الناس ويقول «أيها الناس أنا لص»، فلما وقف قال «أيها الناس أنا لص؟» بلهجة استفهام، فانقلب المعنى من إقرار إلى إنكار.
ومن القرائن الإشارات وحركات الوجه، يقال إن بعض زنوج أفريقيا إذا غابت الشمس سكنت جلبتهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يتفاهموا بالكلام وحده، وبسبب ظلمة الليل لا يستطيعون أن يستعينوا بالإشارات وحركات الوجه؛ بل إنك اليوم لا تجد أحدا يتكلم بدون أن يستعين بالإشارات وحركات الوجه على تقوية معناه أو إيضاحه أو استدعاء الانتباه إليه، مما يدل على أن اللغات على ارتقائها واتساعها لا تزال ناقصة، وأنها دون التصوير والموسيقى، فإن المصور قد يصور بريشته ما تعجز أرقى اللغات عن الغناء فيه، والموسيقي قد يترجم بنغماته عما لا يؤديه كلام، هذا على ارتقاء اللغات في هذا العصر فكيف يوم كانت في أول عهدها. من هذا تعلم أن ألفاظ اللغة ليست هي اللغة كلها؛ بل هي جزء منها تتممه الإشارات وحركات الوجه وطبقة الصوت وقرائن أخرى، وهذا سر أن التشبيه أبلغ من الحقيقة. إذا أردت أن تصور شخصا غريبا لغيرك فمهما دققت في وصف تقاطيعه وأعضائه وبيان لونه وطوله وعرضه فإنك لا تستطيع أن تعطي الصورة الحقيقية عنه، ولكن يكفي أن تذكر شخصا يعرفه ثم تقول إنه يشبهه شبها تاما، فإنه يستطيع حينئذ أن يتصور ذلك الشخص في ذهنه، فلو كانت اللغة كافية لما كانت هناك حاجة إلى التشبيه.
ومن تدبر اللغة العربية وجد فيها شيئا كثيرا من لغة الإشارات وحركات الوجه ولونه؛ مثل قولهم في الخوف: «امتقع لون فلان، واقشعر جلده، واصطكت ركبتاه، وارتعدت فرائصه، وأرعشت مفاصله»، ومثل قولهم في الغضب: «قطب وجهه، وزوى ما بين عينيه، وانتفخت أوداجه، وتزبد فوه، واحمرت عيناه»، إلى غير ذلك مما يصور المعنى تصويرا، ولا شك أن هذا من آثار ذلك العهد الذي كانت فيه حركات الوجه والإشارات قرائن على المعنى، وهو أيضا سر أن الخطابة والإنشاد والتمثيل والغناء أوقع في النفس من القراءة الفكرية.
الترتيب
مر على اللغة زمان طويل والترتيب فيها مشوش لغير سبب؛ اعتمادا على القرائن التي تقدم ذكرها، ولا يزال في اللغة آثار هذا التشويش؛ إذ لا نزال نقدم تارة الموصوف على الصفة؛ فنقول: «ليس في المسألة أمر كبير»، وتارة الصفة على الموصوف؛ فنقول: «ليس في المسألة كبير أمر.» ثم دخلت اللغة في دور ثان لزم الترتيب فيه صورة معلومة؛ كذكر الفاعل قبل المفعول، وذكر المسند إليه قبل المسند لاعتبارات خصوصية عندهم ليس هذا محل بسطها، ولا نزال نراعي هذا الترتيب إذا لم تكن هناك قرينة معنوية أو قرينة إعرابية. وبعد أن تولد الإعراب في اللغة دخلنا في دور ثالث تحررنا فيه من قيود الترتيب وعدنا إلى التشويش، والفرق بين هذا الدور والدور الأول أن التشويش كان في الدور الأول اعتباطيا فصار في الدور الثالث لأغراض بيانية مقصودة، وهذا أرقى ما وصلت إليه اللغات في البيان حتى الآن، وقد ساعدنا على ذلك أمران: القرينة والإعراب، ولولا الإعراب للزم الترتيب صورة معلومة لا يتعداها على ما نراه في اللغات الأخرى، فإن الفاعل في اللغة الإنكليزية مثلا لا يجيء إلا قبل المفعول به سواء دلت عليه القرينة أم لا؛ بسبب أنها ليست لغة إعرابية، وكما نراه في اللغة العربية نفسها إذا كانت الكلمات لا تقبل إعرابا أو لم تكن هناك قرينة معنوية، فإننا نلزم الترتيب فنذكر الفاعل قبل المفعول به، مثل: «سبق أخي غلامي»، ونذكر المسند إليه قبل المسند إذا استويا في التعريف والتنكير ولم تكن هناك قرينة للتمييز بينهما، مثل: «أخي رفيقي» و«أفضل منك أفضل مني.» فالأدوار التي مرت على الترتيب ثلاثة: الأول؛ الدور المشوش لغير قصد اعتمادا على القرينة، والثاني؛ الدور المرتب لاعتبارات خصوصية، والثالث؛ الدور المشوش لأغراض بيانية اعتمادا على الإعراب والقرينة.
الإعراب
من تتبع الدرجات التي مرت عليها اللغات في انتقالها من الدور التقليدي إلى الدور النطقي - أي من تقليد الأصوات تقليدا بسيطا إلى ألفاظ مستقلة يدل بها على المعاني دلالة صماء لا تظهر فيها صبغة التقليد كما قال المرحوم جورجي زيدان - ير أن الإعراب هو آخر ما وصلت إليه اللغات حتى الآن، فهو عنوان رقيها، وهذا يحتمل كلاما طويلا ليس من غرضنا في هذه العجالة التعرض له، وإنما غرضنا هنا هو أن نشير إلى الأدوار التي مرت على الإعراب إلى أن وصل إلى حالته الحاضرة، ثم نتبع ذلك بكلمة في الإعراب نفسه نجعلها خاتمة هذا البحث.
كان الإعراب في دوره الأول مشوشا، فكانوا يرفعون أو ينصبون أو يخفضون أو يجزمون اعتباطا لغير قصد بياني؛ اعتمادا على القرينة والترتيب، ولعل الغرض من الإعراب في هذا الدور كان تزيين الكلام وزخرفته، فقولك: «جاء الضارب» بضم الباء آنق من قولك: «جاء الضارب» بإسكانها، ولعلهم استعملوه في أول الأمر في الشعر لما يتوخونه فيه من الزخرفة والتأنق، ولما ألفوه استعملوه في النثر أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা