ভাষা এবং সাহিত্যে অধ্যয়ন
مطالعات في اللغة والأدب
জনগুলি
أدلة البيان في اللغة العربية1
الأفعال في اللغة العربية1
الحروف الهجائية1
النحو1
قصيدة حافظ إبرهيم في الدستور والدكتور طه حسين1
اللغة العربية في نهضتها الأخيرة1
كتاب الكامل وبعض كتاب هذا العصر
لغة الجرائد1
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (1)1
لكل مقام مقال1
অজানা পৃষ্ঠা
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (2)1
ولكل دولة رجال ...1
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (3)1
العربي شرط لازم في القديم والجديد1
نتفة من الشواهد على المترادف
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (4)1
القديم والجديد1
ذيل
أدلة البيان في اللغة العربية1
الأفعال في اللغة العربية1
অজানা পৃষ্ঠা
الحروف الهجائية1
النحو1
قصيدة حافظ إبرهيم في الدستور والدكتور طه حسين1
اللغة العربية في نهضتها الأخيرة1
كتاب الكامل وبعض كتاب هذا العصر
لغة الجرائد1
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (1)1
لكل مقام مقال1
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (2)1
ولكل دولة رجال ...1
অজানা পৃষ্ঠা
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (3)1
العربي شرط لازم في القديم والجديد1
نتفة من الشواهد على المترادف
تطور اللغة في ألفاظها وأساليبها (4)1
القديم والجديد1
ذيل
مطالعات في اللغة والأدب
مطالعات في اللغة والأدب
تأليف
خليل السكاكيني
অজানা পৃষ্ঠা
أيها القارئ الكريم
عرضت كتابي هذا قبل طبعه على صديقين من أهل العلم والفضل، أما الأول: فتضجر منه؛ لخروجي في مواضع كثيرة منه عن المألوف، وأما الثاني: فتفضل باستحسان ما رأى فيه من أثر الاجتهاد على ضعفه، وشجعني على طبعه. إذا كنت من رأي الأول فأرجو عفوك، وإذا كنت من رأي الثاني فأشكرك.
خليل السكاكيني
أدلة البيان في اللغة العربية1
من تدبر العلوم اللسانية في اللغة العربية؛ كالصرف والنحو، رأى أنه قد مر بها حتى الآن ثلاثة أدوار: الأول دور الاستقراء والتطبيق، استخرج النحاة الأولون فيه الجزئيات من الكليات ثم طبقوا الكليات على الجزئيات طردا وعكسا؛ مثال ذلك: استقرى النحاة الفاعل في جمل كثيرة، فقالوا الفاعل مرفوع، ثم قالوا إن لفظة «رجل» في قولنا «جاء الرجل» مثلا مرفوع؛ لأنه فاعل. الدور الثاني: دور التبويب والترتيب، كان هم كل مؤلف في هذا الدور تتبع الأحكام الكلية في مظانها، وترتيبها في فصول وأبواب أشبه بالفهارس ، ضموا فيه النظير إلى نظيره والفرع إلى أصله، ولكن لم يجئ أحد منهم بشيء جديد من عنده؛ بل اقتصروا على مذاهب البصريين والكوفيين، وذكر الراجح والمرجوح منها بلا بحث ولا نكير. الدور الثالث: دور الاجتهاد، حاول بعض المؤلفين فيه أن يخرجوا من عهدة ذلك التقليد بأن يذكروا هنا وهناك بعض آراء لم يسبقهم إليها أحد، ففتحوا بذلك باب الاجتهاد.
ولا شك أننا أصبحنا اليوم في زمان لا بد فيه من إعادة النظر في كل ما وضعه الأولون وتسلمناه منهم قضايا مقررة لا تقبل الاعتراض، وبناء ذلك على مبادئ جديدة علمية، فإن عندنا من الوسائل ما لم يكن عندهم. كان علماء اللغة في قديم الزمان لا يعرفون غير اللغة العربية، ولم يكونوا يعرفون ما يسمى اليوم بعلم مقابلة اللغات بعضها ببعض، أو ما يسمى علم تحليل اللغات أو فلسفتها؛ بلى حاول بعضهم التعرض لهذه الأبحاث، منهم أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي في كتابيه «الخصائص في اللغة» و«سر الصناعة في النحو»، ولكن أبحاثهم كانت في عهد طفوليتها، وأما اليوم فقد ارتقت هذه العلوم وصارت خصائص اللغة وأسرارها علما بأصول، وأصبح عالم اللغة لا غنى له عن تعلم أخوات تلك اللغة؛ بل لغات أخرى عديدة قديمة وجديدة. وقد عرفت في بلاد الإنكليز وأميركا أساتذة كثيرين من علماء اللغات الشرقية يعرف الواحد منهم إلى اللغة العربية، العبرية والسريانية والحبشية والتركية والفارسية والسنسكريتية، فضلا عن اللغات الأوروبية الحديثة والقديمة إلى ما يجاوز العشر لغات. وقد لقيت في كمبردج شيخا مصريا وهو أستاذ في إحدى المدارس العالية في القطر المصري، رأى سعة معرفة أولئك الأساتذة وتبحرهم في علم اللغات، فقال في قصيدة أرسلها إلى أحد العلماء في مصر:
أنا في بلاد الإنكليز
أسير كالطفل الصغير
في كمبردج مدينة العرفان
ليس لها نظير
অজানা পৃষ্ঠা
فيها الأساتذة الفخام
ومن يعادل شكسبير
لا علم لي حتى أجادلهم
ولا عقل كبير
لكنني مسترشد
شأن الضرير مع البصير
ولقد ذكرتك قائلا
في مصرنا البدر المنير
كل بأطراف البنان
إليه إجلالا يشير
অজানা পৃষ্ঠা
ولأولئك العلماء الأعلام مؤلفات غزيرة المادة مشبعة الفصول في تاريخ اللغات وفلسفتها ومقابلتها بعضها ببعض. استبطنوا اللغات واستخرجوا منها حقائق بنيت عليها العلوم اللسانية في لغاتهم، وأول من طرق هذه الأبحاث الجديدة في اللغة العربية - على ما أذكر - أحمد فارس الشدياق، والشيخ إبرهيم اليازجي، وجورجي زيدان، وروحي الخالدي المقدسي، وجبر ضومط، وبندلي الجوزي المقدسي، وأنستاس الكرملي، ثم انقطع العهد بتلك الأبحاث ولم تترتب عليها فائدة عملية، ولعل لذلك سببين: الأول؛ تراجع النهضة وقلة المشتغلين بها، والثاني؛ عدم الجرأة على إبداء رأي جديد، وقد خطر لي أثناء معالجتي هذه المواضيع من النظرات والخواطر ما أتجرأ على عرضه عليكم شيئا بعد شيء، وأنا لا أجهل أن رأس مالي نزر، وسأقتصر في حديثي هنا على الكلام عن أدلة البيان التي تتميز بها وظيفة الكلمة في الجملة، فأقول: تعرف وظيفة الكلمة في الجملة إما بالقرينة المعنوية، نحو: «فهم موسى المعنى»، أو «فهم المعنى موسى»، فإن الفاهم هو موسى والمفهوم هو المعنى؛ إذ لا يصح غير ذلك. وإما بالترتيب، نحو: «سبق أخي غلامي»، ولما كان كل منهما يصح أن يكون سابقا أو مسبوقا ذكرنا السابق أولا والمسبوق ثانيا؛ لأن علاقة الفعل بالفاعل سابقة لعلاقته بالمفعول. وإما بالإعراب، نحو: «ضرب زيد عمرا» أو «ضرب عمرا زيد»، فالضارب هو زيد والمضروب هو عمرو في الجملتين، وقد عرفنا ذلك ليس من المعنى لأنه يصح أن يكون كلاهما ضاربا أو مضروبا، ولا من الترتيب لأن كلمة زيد جاءت قبل كلمة عمرو في الجملة الأولى وبعدها في الجملة الثانية، وإنما عرفنا أن زيدا هو الضارب لأنه مرفوع، وأن عمرا هو المضروب لأنه منصوب، فأدلة البيان ثلاثة: القرينة والترتيب والإعراب، وهذا آخر ما وصلت إليه اللغة العربية، ولا بد أن تكون هذه الأدلة قد مرت على أدوار مختلفة قبل أن وصلت إلى صورتها الحاضرة التي ورثناها من عهد التدوين جريا على ناموس النشوء والارتقاء كما سنبينه فيما يلي.
القرينة
لا شك أن القرينة هي أقدم هذه الأدلة، وقد مر زمان طويل على اللغة كان الاعتماد في بيان المعنى فيها على القرينة وحدها، وذلك قبل أن يكون في اللغة ترتيب معلوم أو إعراب بياني، فكانوا يقدمون أو يؤخرون، وكانوا يرفعون أو ينصبون أو يخفضون أو يجزمون أو يبنون كما يجيء معهم اتفاقا لغير قصد. وإذ كان اعتمادهم في هذا الدور على القرينة وحدها فلا بد أنه كانت هناك قرائن كثيرة تختلف وضوحا أو خفاء يستدلون بها على المعنى، ولاعتيادهم الاعتماد على القرينة فلا بد أنهم كانوا يتنبهون لأدق القرائن وأخفاها، ومع ذلك فإن التفاهم كان صعبا لما يقع فيه من اللبس أو الغموض أحيانا، أو أن مواضيع الكلام كانت بسيطة يدرك المعنى منها بأقل لمحة، من تلك القرائن طبقة الصوت وهيئة إطلاقه بين أن يكون لينا أو خشنا، عاليا أو سافلا مما هو بالصوت الموسيقي أشبه منه بالصوت المنطقي كما قال اليازجي، ولا تزال آثار ذلك في اللغة إلى اليوم كاختلاف اللهجة في الاستفهام أو التعجب عنها في الخبر؛ بل لولا اختلاف اللهجة لأصبح كثير من الكلام لغوا. نكرر الألفاظ للتأكيد، مثل: «جاء الأمير الأمير»، ولكن إذا لم نرفع الصوت قليلا في اللفظة الثانية فلا تأكيد فيها ولو كررناها عشر مرات، نتبع اللفظة بأخرى لبيانها، مثل: «جاء أخوك زيد»، لكن إذا لم تكن الثانية أعلى نغمة من الأولى فلا تفيد بيانا. نستعمل «إن» للتأكيد ولكن إذا لم نجعل النبرة شديدة على النون فلا تفيد تأكيدا، إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال للإفاضة فيه؛ بل إن اللهجة قد تقلب المعنى إلى ضده، يقال إنه حكم مرة على رجل أن يقف أمام الناس ويقول «أيها الناس أنا لص»، فلما وقف قال «أيها الناس أنا لص؟» بلهجة استفهام، فانقلب المعنى من إقرار إلى إنكار.
ومن القرائن الإشارات وحركات الوجه، يقال إن بعض زنوج أفريقيا إذا غابت الشمس سكنت جلبتهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يتفاهموا بالكلام وحده، وبسبب ظلمة الليل لا يستطيعون أن يستعينوا بالإشارات وحركات الوجه؛ بل إنك اليوم لا تجد أحدا يتكلم بدون أن يستعين بالإشارات وحركات الوجه على تقوية معناه أو إيضاحه أو استدعاء الانتباه إليه، مما يدل على أن اللغات على ارتقائها واتساعها لا تزال ناقصة، وأنها دون التصوير والموسيقى، فإن المصور قد يصور بريشته ما تعجز أرقى اللغات عن الغناء فيه، والموسيقي قد يترجم بنغماته عما لا يؤديه كلام، هذا على ارتقاء اللغات في هذا العصر فكيف يوم كانت في أول عهدها. من هذا تعلم أن ألفاظ اللغة ليست هي اللغة كلها؛ بل هي جزء منها تتممه الإشارات وحركات الوجه وطبقة الصوت وقرائن أخرى، وهذا سر أن التشبيه أبلغ من الحقيقة. إذا أردت أن تصور شخصا غريبا لغيرك فمهما دققت في وصف تقاطيعه وأعضائه وبيان لونه وطوله وعرضه فإنك لا تستطيع أن تعطي الصورة الحقيقية عنه، ولكن يكفي أن تذكر شخصا يعرفه ثم تقول إنه يشبهه شبها تاما، فإنه يستطيع حينئذ أن يتصور ذلك الشخص في ذهنه، فلو كانت اللغة كافية لما كانت هناك حاجة إلى التشبيه.
ومن تدبر اللغة العربية وجد فيها شيئا كثيرا من لغة الإشارات وحركات الوجه ولونه؛ مثل قولهم في الخوف: «امتقع لون فلان، واقشعر جلده، واصطكت ركبتاه، وارتعدت فرائصه، وأرعشت مفاصله»، ومثل قولهم في الغضب: «قطب وجهه، وزوى ما بين عينيه، وانتفخت أوداجه، وتزبد فوه، واحمرت عيناه»، إلى غير ذلك مما يصور المعنى تصويرا، ولا شك أن هذا من آثار ذلك العهد الذي كانت فيه حركات الوجه والإشارات قرائن على المعنى، وهو أيضا سر أن الخطابة والإنشاد والتمثيل والغناء أوقع في النفس من القراءة الفكرية.
الترتيب
مر على اللغة زمان طويل والترتيب فيها مشوش لغير سبب؛ اعتمادا على القرائن التي تقدم ذكرها، ولا يزال في اللغة آثار هذا التشويش؛ إذ لا نزال نقدم تارة الموصوف على الصفة؛ فنقول: «ليس في المسألة أمر كبير»، وتارة الصفة على الموصوف؛ فنقول: «ليس في المسألة كبير أمر.» ثم دخلت اللغة في دور ثان لزم الترتيب فيه صورة معلومة؛ كذكر الفاعل قبل المفعول، وذكر المسند إليه قبل المسند لاعتبارات خصوصية عندهم ليس هذا محل بسطها، ولا نزال نراعي هذا الترتيب إذا لم تكن هناك قرينة معنوية أو قرينة إعرابية. وبعد أن تولد الإعراب في اللغة دخلنا في دور ثالث تحررنا فيه من قيود الترتيب وعدنا إلى التشويش، والفرق بين هذا الدور والدور الأول أن التشويش كان في الدور الأول اعتباطيا فصار في الدور الثالث لأغراض بيانية مقصودة، وهذا أرقى ما وصلت إليه اللغات في البيان حتى الآن، وقد ساعدنا على ذلك أمران: القرينة والإعراب، ولولا الإعراب للزم الترتيب صورة معلومة لا يتعداها على ما نراه في اللغات الأخرى، فإن الفاعل في اللغة الإنكليزية مثلا لا يجيء إلا قبل المفعول به سواء دلت عليه القرينة أم لا؛ بسبب أنها ليست لغة إعرابية، وكما نراه في اللغة العربية نفسها إذا كانت الكلمات لا تقبل إعرابا أو لم تكن هناك قرينة معنوية، فإننا نلزم الترتيب فنذكر الفاعل قبل المفعول به، مثل: «سبق أخي غلامي»، ونذكر المسند إليه قبل المسند إذا استويا في التعريف والتنكير ولم تكن هناك قرينة للتمييز بينهما، مثل: «أخي رفيقي» و«أفضل منك أفضل مني.» فالأدوار التي مرت على الترتيب ثلاثة: الأول؛ الدور المشوش لغير قصد اعتمادا على القرينة، والثاني؛ الدور المرتب لاعتبارات خصوصية، والثالث؛ الدور المشوش لأغراض بيانية اعتمادا على الإعراب والقرينة.
الإعراب
من تتبع الدرجات التي مرت عليها اللغات في انتقالها من الدور التقليدي إلى الدور النطقي - أي من تقليد الأصوات تقليدا بسيطا إلى ألفاظ مستقلة يدل بها على المعاني دلالة صماء لا تظهر فيها صبغة التقليد كما قال المرحوم جورجي زيدان - ير أن الإعراب هو آخر ما وصلت إليه اللغات حتى الآن، فهو عنوان رقيها، وهذا يحتمل كلاما طويلا ليس من غرضنا في هذه العجالة التعرض له، وإنما غرضنا هنا هو أن نشير إلى الأدوار التي مرت على الإعراب إلى أن وصل إلى حالته الحاضرة، ثم نتبع ذلك بكلمة في الإعراب نفسه نجعلها خاتمة هذا البحث.
كان الإعراب في دوره الأول مشوشا، فكانوا يرفعون أو ينصبون أو يخفضون أو يجزمون اعتباطا لغير قصد بياني؛ اعتمادا على القرينة والترتيب، ولعل الغرض من الإعراب في هذا الدور كان تزيين الكلام وزخرفته، فقولك: «جاء الضارب» بضم الباء آنق من قولك: «جاء الضارب» بإسكانها، ولعلهم استعملوه في أول الأمر في الشعر لما يتوخونه فيه من الزخرفة والتأنق، ولما ألفوه استعملوه في النثر أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা
ومن تدبر الشعر في اللغة المحكية ليومنا هذا رأى أنهم قد يحركون من أواخر الكلم فيه ما لا يحركونه في كلامهم العادي، وتلك حالة في اللغة - أي الإعراب المشوش بدون ضابط - لا بد أن يئول أمرها إما إلى الإلغاء بتاتا، وإما إلى الدخول في دور ثان يستخدم فيه الإعراب لغرض آخر لا لمجرد الزينة أو الضرورة الشعرية، والواقع أن الإلغاء ابتدأ في اللغة - ولكن في الوقف - ولولا القليل لسقط في كل المواطن، والواقع أن اللغة دخلت في دور ثان استخدم فيه الإعراب لبيان وظيفة الكلمة في الجملة، ولكن وقفت اللغة في أول هذا الدور قبل أن ينضج الإعراب ويتم إحكامه في كل مواطنه كما سترى، ففي دوره الأول كان شيئا خارجا عن اللغة، فإذا ألغي لم تتأثر؛ لأن الاعتماد في بيان المعنى كان على القرينة والترتيب؛ ولذلك نرجح أن إلغاءه في الوقف ابتدأ في هذا الدور.
وأما في دوره الثاني - وهو الدور الذي تشوش فيه الترتيب لأغراض بيانية نص النحاة والبيانيون على مواطنها - فقد صار من مقومات اللغة وخصائصها؛ لأن هناك مواطن كثيرة في الكلام لا دليل على المعنى فيها غير الإعراب، فإذا ألغي رجعت اللغة إلى اللبس والغموض، فأنت ترى أن الإعراب قد ساعد العرب على أن يستفيدوا من الترتيب المشوش في الدلالة على معان تعجز اللغات الأخرى عن أدائها، إلا أن اللغة وقفت قبل أن يتم نضجه، أي وصل إلينا وفيه آثار التشويش، وهذا التشويش نوعان: نوع استعمل قديما ثم أهمل، ومن تفقد كتب النحو وقع على شيء كثير من هذا، فقد أجازوا نصب الاسم عند أمن اللبس، نحو: «خرق الثوب المسمار» و«كسر الزجاج الحجر» بنصب المسمار والحجر، ومنه قول الشاعر:
مثل القنافذ هداجون قد بلغت
نجران أو بلغت سوءاتهم هجر
برفع «نجران وهجر» ونصب «سوءات»، وقاسه ابن الطراورة عملا بقراءة:
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه
بنصب «آدم» ورفع «كلمات»، ومنه أن بعض العرب كان ينصب بأن أو إحدى أخواتها المبتدأ والخبر، نحو:
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن
خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
ونحو قوله:
অজানা পৃষ্ঠা
كأن أذنيه إذا تشوفا
قادمة أو قلما محرفا
وقوله: «يا ليت أيام الصبى رواجعا»، ونحو قولهم: «لعل أباك قادما»، ومثله جزم الفعل بعد «لن» مع أنها من النواصب، كقول الشاعر:
لن يخب الآن من رجائك من
حرك من دون بابك الحلقه
ومثله جزم الفعل بأن الناصبة، نحو قوله:
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا
تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب
ومثله إهمال «لم» الجازمة، نحو قوله:
لولا الفوارس من نعم وأسرتهم
অজানা পৃষ্ঠা
يوم الصليفاء لم يوفون بالجار
وقوله:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
وقال ابن مالك: إنها لغة، وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم:
ألم نشرح
بفتح الحاء.
وقوله:
في أي يومي من الموت أفر
أيوم لم يقدر أو يوم قدر
অজানা পৃষ্ঠা
بفتح الراء في «يقدر»، ومثله إهمال «لا» الناهية، نحو:
لا تهين الفقير علك أن
تركع يوما والدهر قد رفعه
وإن أولها النحاة بتقدير نون التوكيد الخفيفة، ومثله إعمال «إذا» الشرطية في الشعر وإهمالها في النثر، ومثله جزم الفعل المرفوع في قوله:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي
وجهك بالعنبر والمسك الذكي
ومثله قوله:
يا لك من قنبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
قد رفع الفخ فماذا تحذري
অজানা পৃষ্ঠা
ومثله قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
بإسكان الباء في «أشرب» إلى غير ذلك ... ومنه نوع لا يزال مستعملا في اللغة إلى اليوم، وإليك البيان: يقول النحاة: إن المسند إليه والمسند يرفعان؛ لأنهما عمدة، ولكننا نراهم ينصبون الأول بعد «إن» أو إحدى أخواتها، وينصبون الثاني بعد «كان» أو إحدى أخواتها، فلماذا نصبا إذا كانا عمدة؟ لا شك أن ذلك أثر من آثار التشويش في الإعراب. ومثله بناء «أي» على الضم في مثل قولهم: «سلم على أيهم أفضل»، وبناء الظروف المنقطعة عن الإضافة في مثل قولهم: «الحمد لله من قبل ومن بعد»، ومثل بناء بعض الألفاظ المبنية. فإذا كانت اللغة إعرابية فما معنى بناء بعض ألفاظها؟ ومثل إعمال «ما» على لغة أهل الحجاز وإهمالها على لغة أهل تميم؛ بل إعمالها على لغة أهل الحجاز بشرط أن تكون متصلة ولم ينتقض نفي خبرها بإلا، نحو: «ما زيد شاعرا»، وإهمالها إذا لم تكن كذلك، نحو: «ما قائم زيد»، و«ما غلامك عمرو ضارب»، و«ما زيد إلا شاعر»، و«ما إن عمرو كريم»، بخلاف «ليس» في ذلك كله مع أنها نافية مثلها، ومثل نصب جمع المؤنث السالم بالكسر، ومثل إعراب الفعل المضارع - ولا سيما في حالتي الرفع والنصب - فقد حار النحاة في سبب إعرابه، وغير ذلك مما ليس من غرضنا تعداده وإحصاؤه. وهذا النوع الثاني من التشويش أصبح قياسيا في اللغة، وأكبر لذة في درس اللغات تكون في هذا المزيج من المعقول وغير المعقول، والقياسي والشاذ، وقد قال أحد علماء اللغة: إن اللغة مثل صديق هفواته تعززه لدينا وتزيدنا حبا له.
تكلمنا عن الأدوار التي تدرج فيها الإعراب، وبقيت لنا كلمة في الإعراب نفسه، هل دلالة العلامات الإعرابية كالضمة والفتحة والكسرة والسكون على الحالات الإعرابية كالفاعلية والمفعولية والإضافية والطلبية اعتباطية أو وضعية؟ أي هل رفع الفاعل ونصب المفعول وخفض المضاف إليه وسكن الفعل الطلبي اتفاقا، أو هل هناك أسباب طبيعية لذلك؟
هذا بحث دقيق يحتمل كلاما طويلا نوافق في بعضه النحاة فنثني عليهم، ونخالفهم في البعض الآخر فنستميحهم العفو.
يقول النحاة: إن علامات الإعراب حركات وحروف، وهم يعتبرون الألف والواو والياء حروفا، والصحيح أن الألف حركة طويلة بالنسبة إلى الفتحة مثل الألف في «كتاب»، وممدودة مثل الألف في «سماء» و«مادة» فهي حركة لا حرف. وأما الواو والياء؛ فقد تكونان حركتين طويلتين بالنسبة إلى الضمة والكسرة، مثل: الواو والياء في «عود» و«عيد»، وحركتين ممدودتين مثل الواو في «وضوء» والياء في «مسيء »، وقد تكونان حرفين مثل الواو في «ثوب» والياء في «بيت»، فهما من الأشكال المشتركة بين الحروف والحركات، وهما تستعملان كعلامتي إعراب تارة باعتبار أنهما حركتان، وتارة باعتبار أنهما حرفان، وعلى ذلك فالأسماء الخمسة من المعربات بالحركات لا بالحروف، وجمع المذكر السالم والمثنى من المعربات بالحركات إلا جمع المذكر السالم من المنقوص، فإنه يعرب بالحروف، نحو: «جاء المصطفون»، و«رأيت المصطفين»، و«مررت بالمصطفين»، وإلا المثنى في حالتي النصب والخفض، نحو: «رأيت الرجلين»، و«مررت بالرجلين»، وعليه فجمع المذكر السالم والمثنى من المعربات بالحركات والحروف معا لا بالحروف وحدها كما يقول النحاة، ومما يعرب بالحروف - غير المثنى وجمع المذكر السالم المنقوص - الأفعال الخمسة من الفعل المضارع؛ فإثبات النون فيها يدل على حالة، وحذفها يدل على حالة أخرى. ولا يعرب بالحركات القصيرة - أي الضمة والفتحة والكسرة - من الأسماء غير الاسم المفرد وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم، ويستثنى من ذلك الأسماء الخمسة في حالة الإضافة إلى غير ياء المتكلم؛ فإنها تعرب بالحركات الطويلة بدلا من الحركات القصيرة؛ ولعل السبب في ذلك أن اللغة العربية القديمة كانت تعرب بالواو والألف والياء، مثل: اللغة النبطية، ثم استبدلت الحركات الطويلة بحركات قصيرة للتخفيف في كل الأسماء إلا في الأسماء الخمسة فكان ذلك فيها أثرا باقيا من ذلك العهد.
وأما الفعل فلا نتعرض له الآن بل نترك الكلام عنه إلى محاضرة أخرى. إذا عرفنا علامات الإعراب يبقى علينا أن نعرف صفة كل منها، فالضم سواء كان بالضمة أم بالواو أقوى الحركات وأفخمها، والفتح سواء كان بالفتحة أم بالألف أخف الحركات لسهولة إخراج الصوت والفم مفتوح، والخفض سواء كان بالكسرة أم بالياء أثقل الحركات؛ لما يقع من التعاند بين إخراج الصوت وخفضه، وقد تنبه النحاة إلى شيء مثل هذا في مواضع مختلفة. واللغات التي يكثر فيها الضم تكون فخمة جزلة، والتي يكثر فيها الفتح تكون خفيفة رشيقة ، والتي يكثر فيها الخفض تكون ثقيلة مستبشعة ولا تناسب الغناء؛ لأن رفع الصوت مع الضم أو الفتح أسهل منه مع الخفض ، ويكثر هذا الصوت في لغة دون ذاك لأسباب عديدة أهمها الإقليم، فالذين يسكنون الأماكن الباردة يميلون في ألفاظهم إلى الضم والخفض، وبعبارة أخرى لا يفتحون أفواههم خوف البرد، والذين يسكنون الأماكن الحارة يميلون في ألفاظهم إلى الفتح استبرادا، ولما كان العرب سكان قفر حار يعيشون في الهواء الطلق كثر الفتح في لغتهم سواء كان حركة بنائية أم حركة إعرابية، وفي كل ذلك كلام لا يتسع له المقام. وأما إذا كانت علامات الإعراب بالحروف، فالواو في جمع الذكور السالم من المنقوص، والألف في المثنى أفخم من الياء فيهما، فعلامات الإعراب في الاسم تقسم بحسب ما تقدم إلى ثلاثة أقسام: قوية، وخفيفة، وثقيلة.
لنأت الآن إلى البحث في الحالات الإعرابية، يقول النحاة: إن حالات الاسم الإعرابية ثلاث: رفع، ونصب، وخفض؛ لأن الاسم لا يخلو أن يكون - على رأيهم - إما عمدة، وإما فضلة، وإما مشتركا بينهما، فحالة العمدة الرفع، وحالة الفضلة النصب، وحالة المشترك بينهما الخفض. وما هي العمدة؟ قالوا: هي ما لا ينعقد الكلام بدونه؛ كالفاعل في نحو: قام زيد. وما هي الفضلة؟ قالوا: هي ما زاد عن القدر المطلوب لانعقاد الكلام؛ كالمفعول به في نحو: ضرب زيد عمرا، وإن لم يكن فضلة في المعنى لاحتياج العبارة إليه في إتمام المراد منها. وما هو المشترك بينهما؟ قالوا: هو ما يكون تارة مكملا للعمدة، نحو: جاء غلام زيد، وتارة مكملا للفضلة، نحو: رأيت غلام زيد، ويقع تارة في موضع العمدة، نحو: سرني قدوم زيد، وتارة في موضع الفضلة، نحو: هذا ضارب زيد، وقد ألحقوا من العمد بالفضلات المنصوب في باب النواسخ، وبالمضاف إليه المجرور بالحرف، هذا ما يقوله النحاة. ولكن إذا كانت العمدة ما لا ينعقد الكلام بدونه؛ فكل جزء من الكلام عمدة لا يستغنى عنه، سواء في ذلك الأسماء والأفعال والحروف، وسواء كان الاسم فاعلا أم مفعولا به، أم مضافا إليه ، أم ظرفا، أم حالا، أم غير ذلك؛ لاحتياج العبارة إلى كل جزء من أجزائها في إتمام المراد منها، وإذا كانت الفضلة ما زاد عن القدر المطلوب لانعقاد الكلام فأحرى بذلك الزائد أن يصبح لغوا يجب حذفه لاستغناء العبارة عنه، وإذا كان المشترك بينهما ما كان مكملا للعمدة أو للفضلة فهل التكميل حالة إعرابية؟ وإذ كان حالة إعرابية، أما كان يجب أن تكون للاسم المكمل للعمدة علامة خصوصية غير علامته إذا كان مكملا للفضلة ليتميز الواحد عن الآخر؟! ثم إذا كان يقع تارة في موضع العمدة وتارة في موضع الفضلة، فلماذا لا يكون عمدة في الأول وفضلة في الثاني؟! وهنا ليسمح لنا النحاة أن نبدي رأيا آخر.
الاسم في الجملة قد يكون عمدة؛ ليس لأنه لا ينعقد الكلام بدونه؛ بل لأحد سببين آخرين: إما لأهميته، نحو: «الولد مجتهد»، الأول مسند إليه والثاني مسند، وكلاهما عمدة لا يستغني الواحد عن الآخر؛ إذ لا يكون مسند إليه بدون مسند، ولا مسند بدون مسند إليه ولو تقديرا، وإما لقوته بالنسبة إلى غيره في الجملة، نحو: «ضرب زيد عمرا»، لزيد وظيفتان: عمل الفعل والدلالة عليه، ولعمرو وظيفتان: قبول أثر الفعل والدلالة عليه؛ فلأنهما يشتركان في الدلالة على الفعل لخروجه من الأول ووقوعه على الثاني، فهما مهمان لا يستغني الواحد عن الآخر؛ إذ لا يكون ضارب بدون مضروب، ولكن لأن الأول عمل الفعل فهو قوي؛ ولأن الثاني وقع عليه الفعل فهو ضعيف، فهما يتساويان في الأهمية ولو لم يكن غير هذا الاعتبار لكان كلاهما عمدة، ولكن لأنهما يختلفان في القوة والضعف وجب أن ينظر إليهما باعتبار هذا الاختلاف؛ فالقوي منهما نعتبره عمدة لقوته وليس لأهميته، وإذا حذف الضارب وبقي المضروب لم يبق دليل آخر على وقوع الفعل غيره، ولأنه الدليل الوحيد فإنه يكتسب أهمية فينظر إليه باعتبارها ونعده عمدة، ويسقط عنه اعتبار الضعف؛ لأننا إنما نظرنا إليه باعتبار الضعف لوجود قوي بإزائه، فإذا ذهب القوي لم تبق حاجة إلى هذا الاعتبار، وسمي نائب فاعل لأنه ناب عنه في الدلالة على الفعل وليس في عمله. وقد يكون فضلة إما لضعفه بالنسبة إلى غيره ك «عمرا» في قولنا: «ضرب زيد عمرا» وإن كان مثل «زيد» في الأهمية كما قدمنا، وإما لكثرة دورانه في الكلام كالحال، نحو: «جاء زيد راكبا»، والظرف نحو: «جاء زيد صباحا»، وغير ذلك من المنصوبات، فإذا كان الاسم عمدة أخذ العلامة القوية الإعرابية للتناسب بين أهمية الكلمة في الجملة أو قوتها وبين قوة العلامة الإعرابية، وإذا كان فضلة اختاروا له العلامة الخفيفة، ولعلهم راعوا في ذلك الخفة لكثرة دوران الفضلة في الكلام.
অজানা পৃষ্ঠা
وأما ما يسمى في اصطلاح النحاة مشتركا بينهما فاختاروا له العلامة الثقيلة؛ لقلة دورانه على اللسان. والذي يلوح لنا أنه لم يكن للاسم في الأصل إلا حالتان: عمدة وفضلة، أو رفع ونصب، وأن الحالة الثالثة - أي حالة الخفض - طارئة على اللغة، أو أنها ثقيل مستبشع، يرفع الاسم لأنه مهم أو قوي، وينصب لأنه ضعيف أو كثير الدوران على اللسان، وأما خفضه فلماذا؟!
ولنا على ذلك أدلة كثيرة: (1)
أن الفعل المضارع - الذي يشبه الاسم في الإعراب - يرفع وينصب ويجزم ولكنه لا يخفض. (2)
أن أكثر الأسماء ليس لها إلا علامتان إعرابيتان: الأولى الرفع والثانية النصب والخفض معا؛ كجمع المذكر السالم، فتقول: «جاء المعلمون» و«رأيت المعلمين» و«مررت بالمعلمين»؛ وكالمثنى، فتقول: «جاء المعلمان» و«رأيت المعلمين» و«مررت بالمعلمين»؛ وكالممنوع من الصرف، فتقول: «جاء إبرهيم» و«رأيت إبرهيم» و«مررت بإبرهيم»؛ وكجمع المؤنث السالم، نحو: «جاءت المؤمنات» و«رأيت المؤمنات» و«مررت بالمؤمنات»، فلو كان هناك فرق بين النصب والخفض في الاعتبار لوجب أن يكون لكل منهما علامة خصوصية تميز الواحد عن الآخر في هذه الأنواع من الاسم، وهي كثيرة. (3)
أن الظروف التي تجر بحرف «في» يجوز أن يسقط حرفها فترجع إلى النصب، فتقول: «جئت في الصباح» و«جئت صباحا»، فلو كان الخفض لبيان حالة إعرابية لخفض الظرف بحرف جر وبدونه. (4)
أن كثيرا من الأفعال المتعدية بواسطة حرف خفض قد تتعدى بنزع الخافض فينصب الاسم المخفوض بذلك الحرف على المفعولية الصريحة؛ لأن الفعل حينئذ قد وصل إليه بنفسه، ومنه قول الشاعر:
تمرون الديار ولم تعوجوا
كلامكم علي إذن حرام
أي: تمرون على الديار، فحذف الحرف ونصب المخفوض به، ولا فرق بين نصب الاسم أو خفضه، وإذا لم يرد نزع الخافض في بعض الأفعال، مثل: «بصرت بزيد» فقد يستبدل الفعل بآخر يتعدى رأسا، نحو: «أبصرت زيدا، أو نظرته أو رأيته»، فلو كانت الرؤية لا تتم إلا بالخفض لوجب أن يستعمل حرف الجر مع كل الأفعال التي تدل على الرؤية. (5)
المفعول لأجله المخفوض بحرف التعليل، نحو: «هربت للخوف أو من الخوف» يجوز فيه إسقاط حرف الخفض، وحينئذ يعود إلى النصب، فلو كان للخفض معنى إعرابي للزم المفعول لأجله الخفض سواء جر بحرف أم لا. (6)
অজানা পৃষ্ঠা
مميز «كم» الاستفهامية يجوز فيه النصب على الأصل، والجر بحرف «من»، نحو: «كم كتابا قرأت؟» و«كم من كتاب قرأت؟» ومميز «كم» الخبرية يخفض على الأصل وينصب إذا فصل بينهما، نحو: «كم صديق لي!» و«كم لي صديقا!» فالخفض والنصب متعاقبان هنا. (7)
أن بعض الظروف تلزم البناء على الفتح ولو تقدمها حرف خفض، نحو: من الآن، ومن أين، ولا شك أن ذلك أثر من آثار النصب حين لم يكن الخفض مستعملا. (8)
أن قسما مما يعتبر اليوم حرف جر كان في أصله فعلا، مثل: «على»، فإنها مأخوذة من «علا، يعلو»، وكذلك «خلا، وعدا، وحاشا»، وهذه الثلاثة الأخيرة لا تزال إلى اليوم تنصب وتخفض. (9)
ضمائر النصب والجر واحدة، إلا للشخص المتكلم المفرد، فتقول: كتابك، ورأيتك، وكتابه، ورأيته.
الخلاصة أن الاسم لا يكون إلا عمدة أو فضلة، فالعمدة أخذت الرفع لأنه أقوى الحالات أو أشرفها كما يقول النحاة، والفضلة كانت تنصب ثم طرأ على بعضها الخفض، أو كانت تنصب وتخفض على السواء ثم مالت اللغة إلى النصب، ولولا القليل لزال الخفض كما زال من الفعل المضارع، والله أعلم.
الأفعال في اللغة العربية1
من قابل كتب الصرف والنحو في اللغة العربية - على كثرتها بين قديمة وحديثة - بمثلها في اللغات الإفرنجية يجد هناك فروقا كثيرة، أهمها أن الإفرنج قد طبقوا أحكام لغاتهم وقواعدها على ما وصلوا إليه من الحقائق في علم اللغة أو فلسفتها، وهو العلم الذي يبحث عن تاريخ الألفاظ وتنوعها ودلالتها مع ما طرأ عليها من التغير كما قال المرحوم جرجي زيدان في كتابه «فلسفة اللغة»، بحيث صارت أحكام لغاتهم وقواعدها لا صناعة فقط كما هي عندنا بل علما أيضا، ولهم في ذلك غرضان: الأول؛ تسهيل تلك الأحكام على الطالب وتقريب منالها منه؛ لأن الأحكام المعقولة أسهل فهما وأقرب تناولا من الأحكام غير المعقولة. الثاني؛ جعل الفائدة من تلك الأحكام أتم. •••
لكل موضوع من موضوعات التعليم؛ كالقراءة، والكتابة، والحساب، والصرف، والنحو، وغير ذلك فائدتان: الأولى؛ ذاتية، أي: يتعلمه الطالب لأنه سيحتاج إليه في الحياة. والثانية؛ عرضية، أي أن درس ذلك الموضوع يساعد على توسيع إدراك الطالب وترويض قواه العقلية، وتعويده التفكير والملاحظة والاستنتاج، ولا تتم هاتان الفائدتان إلا إذا كانت حقائق كل موضوع معقولة صحيحة تربط فيها الأسباب بنتائجها ويرجع في النتائج إلى أسبابها مما خلت منه كتبنا الصرفية والنحوية، بلى قد حاول الصرفيون والنحويون أن يعللوا أحكامهم ويربطوها بأسبابها، إلا أن أكثر الأسباب التي ذكروها واهية حتى ضرب المثل بضعف حجة النحوي، والطالب الذي يتعلم على هذا الأسلوب السطحي الشاق، ويقتنع بتلك الأسباب والعلل الواهية، ويتعود أن يتلقاها بدون نكير ولا تفكير، تظلم مع الأيام بصيرته، ويأفن رأيه، وتضعف فيه أداة الحكم بحيث يسهل استدراجه إلى تصديق كل خرافة واعتقاد كل سخافة، فضلا عما يستغرقه الدرس على ذلك الأسلوب من الوقت الطويل عبثا، فما أجرأنا والحالة هذه أن نتدارك الأمر فنجري على الطريقة الإفرنجية في بناء أحكام لغتنا وقواعدها على مبادئ علمية جديدة؛ تسهيلا على الطالب واقتصادا في وقته وترويضا لعقله، وهذا ما أحاول بسطه لديكم راجيا أن تغتفروا خروجي عن المألوف المتعارف، وسأقتصر على الكلام عن الفعل في اللغة العربية؛ لأن البحث في الفعل أهم الأبحاث الصرفية في كل لغة. •••
تعرفون أن الفعل لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه؛ بل لا بد له من فاعل يفعله، فالجلوس لا بد له من جالس، والخروج لا بد له من خارج، وكذلك لا بد له من وقت، فإذا وجد الفاعل ولم يكن وقت، أو وجد الوقت ولم يكن فاعل فلا يقع فعل. فإذا أردنا تصريف الفعل احتجنا إلى ثلاثة أشياء: صيغة للفعل، وعلامة للفاعل، وعلامة للزمان.
الصيغة
অজানা পৃষ্ঠা
صيغة الفعل مأخوذة من المصدر، ومعنى ذلك أن العرب كانوا يصرفون المصدر مع الضمائر، ولا تزال آثار ذلك في اللغة إلى اليوم؛ إذ لا نزال نستعمل المصدر أمرا فنقول: صبرا، مهلا، رفقا، ولم يكن في الأصل فرق بين صور المصدر وصيغ الفعل، ولا تزال بعض الأفعال تشبه المصدر، مثل: «طلب، والطلب» من الصحيح و«جر والجر» من المضاعف. وكانت صور المصدر قليلة على عد صيغ الفعل، فكان المصدر من الصحيح يجيء على وزن «طرق» بإسكان الأول والآخر؛ لأن أول ما وضع من أسماء الأحداث كان البعض منه محكيا عن الأصوات المسموعة من الحيوان أو الجماد، فإذا حاكينا الأصوات الخارجية في ذي ثلاثة أحرف جئنا به ساكن الأول والآخر. ولا يزال المصدر في السريانية كذلك على حكايته الأصلية، ثم حركنا الحرف الأول فيه في الماضي تفاديا من خشيبة اللفظ وتعسر الابتداء بالساكن كما قال جبر ضومط في كتابه «خواطر في اللغة». وكانت حركته الفتح؛ لأن الفتح أخف الحركات، ورددناه إلى السكون في المضارع على ما كان عليه في الأصل؛ لانتفاء الابتداء بالساكن لوقوع حرف المضارعة قبله. وكان المصدر من الناقص على وزن «رمى»، وأصل حكايته من باب حكاية الصحيح، أي: الأصل فيه أن يكون ساكن الأول كما هو في اللغة السريانية.
وكان المصدر من المضاعف على وزن «جر»، وهو إما أن تقصد به حكاية الصوت، نحو: «فحت الأفعى» و«أن المريض» و«خر الماء» و«شق الثوب» و«جر الحبل» و«مص الشراب» و«شم الطيب»، وإما أن تراعى فيه حكاية الحركة، مثل: «هب النائم» و«حل العقدة» و«شبت النار»، أو حكاية صفة الشيء بما توهم في مقاطع الحروف من الصفات وما في اقترانها من الهيئات، نحو: «رث الثوب» و«كل السيف» و«خف الحمل» و«جف الغصن»، ومن ذلك في لغة الأطفال «دح» للشيء الحسن، و«كخ» للشيء القبيح؛ لما توهموا في اقتران الدال والحاء من الحسن واقتران الكاف والخاء من القبح.
وكان المصدر من الأجوف على وزن «قام» وأكثر ما يقصد به حكاية الحركة؛ نحو: «سال الماء» و«ذاب الجامد» و«ماع السائل» و«فاح الطيب» و«حام الطائر» و«غاص الحوت» لما بين المد فيه وحركة المحكي من المطابقة.
2
وعلى ذلك فصور المصدر الأصلية أربع على عدد صيغ الفعل، ثم مع كرور الزمان وتلاعب اللسان خرج المصدر عن الحكاية الأصلية وتفرع إلى صور عديدة كثيرة الأشكال مختلفة الحركات بين مشبعة وقصيرة، مثل: كتابة، ورجوع، وعلانية، وندامة، وعرفان، وجولان، ورحيل، وقيام ... إلى نحو اثنين وأربعين شكلا كما هو مذكور في كتب الصرف المطولة؛ ولذلك تكون «الكتابة» مثلا صورة جديدة عن «كتب»، و«الجلوس» صورة جديدة عن «جلس».
ويظهر أن هذا التفرع نشأ بعد أن تولدت في اللغة صيغ الفعل، وإلا فكان يجب أن تكون صيغ الفعل على قدر صيغ المصدر الجديدة. وقد لزمنا في التصريف حكاية المصدر الأصلية لخفتها وحسن وقعها؛ لأننا لو صرفنا أشكال المصدر على اختلاف صورها وكثرة مقاطعها مع الضمائر لجاءت ثقيلة طويلة. إذن ليست صيغ الفعل إلا صور المصدر القديمة. وإذا قلنا إن المصدر هو أصل الفعل عنينا بذلك صوره القديمة لا صوره الجديدة التي تفرعت عنها، وهذه الصور القديمة لا تزال محفوظة في صيغ الفعل كما تحفظ «الأحافير» في طبقات الأرض مما قد يوهم أن الفعل هو الأصل وأن المصدر هو الفرع.
الفاعل
المهم في بيان الفاعل معرفة جنسه؛ أي: هل هو مذكر أم مؤنث؟ وعوده؛ أي: هل هو مفرد أم مثنى أم جمع؟ وشخصه؛ أي: هل هو متكلم أم مخاطب أم غائب؟ وقد استعملنا الضمير المتصل لبيان ذلك في الماضي والمضارع والأمر، فمن أين أتينا بهذه الضمائر؟! لم يكن في الأصل إلا ضمائر منفصلة كما نرى في اللغات الإفرنجية، ولا بد أنه مر زمان طويل على العرب كانوا يستعملون فيه الضمائر المنفصلة في التصريف، فكانوا يقولون في تصريف الماضي: «ضرب هو»، «ضرب هما»، «ضرب هم»، «ضرب هي»، «ضرب هما»، «ضرب هن» ... إلخ، وفي تصريف المضارع: «هو ضرب»، «وأنا ضرب»، و«نحن ضرب»، و«أنت ضرب» ... إلخ، وفي تصريف الأمر: «اضرب أنت»، «اضرب أنتما»، «اضرب أنتم» ... إلخ، ثم مع كرور الزمان وتلاعب اللسان نحتنا منها الضمائر المتصلة، وسنعود إلى هذا البحث عند كلامنا عن صيغ الفعل الماضي والمضارع والأمر.
الزمان
الزمان ثلاثة أنواع: ماض، وحاضر، ومستقبل، وفي اللغة العربية ثلاث صيغ للفعل: صيغة الماضي: وهي موضوعة للماضي، وصيغة المضارع: وهي مشتركة بين الحال والاستقبال، وصيغة الأمر: وهي مختصة بالاستقبال، فما هي علامة الزمان في هذه كانوا يستعملون فيه الصيغة الواحدة بدلا من الأخرى أحيانا، ونرى مثل ذلك في اللغة العبرية، فإنهم مع وجود صيغ الماضي والمضارع والأمر في لغتهم قد يستعملون الصيغة الواحدة بدلا من الأخرى، فهم يقولون مثلا: «اذهب» و«قلت لهذا الشعب» كما هو وارد في الماضي للحاضر، نحو:
অজানা পৃষ্ঠা
فلله يوم أنت فيه مسلم
وهبت له جرم الزمان الذي خلا
أي: أهب؛ ونحو كما «يقول الشاعر» أي: كما قال، وك «بعتك الدار» في الإنشاء الإيقاعي، أي: أبيعك. وقد نستعمل الماضي للمستقبل في الإنشاء الطلبي، نحو: «رحمك الله»، أي: يرحمك، وفي الشرط، نحو: «إن قمت قمت»، أي: إن تقم أقم، ونستعمل المضارع للماضي مع «لم» في النفي المنقطع، نحو: «لم أذهب» ومع «لما» في النفي المتصل بالحاضر، نحو: «جئت ولما تطلع الشمس»، وللمستقبل القريب مع السين في حالة الإثبات، نحو: «سأذهب»، ومع «لا» في حالة النفي، نحو: «لا أذهب»، وللمستقبل البعيد مع «سوف» في حالة الإثبات، نحو: «سوف أذهب»، ومع «لن» في حالة النفي، نحو: «لن أذهب».
ونستعمل الماضي والمضارع للأزمنة كلها؛ نحو:
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله
أي : من يؤمن دائما،
والله يحيي ويميت
أي: يحيي ويميت دائما، إلا أن استعمال الصيغة الواحدة لغير الزمان الموضوعة له محصور في مواطن مخصوصة لا يتعداها، فصار استعمالها كذلك قياسا، وفيما عدا ذلك لا يجوز استعمال الصيغة الواحدة إلا فيما وضعت له، فكيف تدل الصيغة على الزمان؟ إذا اعتبرنا الضمائر المتصلة علامات للفاعل فليس هناك إلا صيغة الفعل وعلامة للفاعل، وأما الزمان فليس له علامة.
وقد اختلف الصرفيون في دلالة الفعل على الزمان؛ فمنهم من قال إن الفعل يدل على الحدث والزمان معا بالمطابقة؛ كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، فإنه تمام المعنى الموضوع له اللفظ، وهذا مذهب الجمهور، وقال آخرون؛ كالسيد: إن دلالة الفعل على الحدث والزمان تضمن كدلالة الإنسان على الحيوان فقط أو الناطق فقط لدخول الجزء ضمن المعنى الموضوع له اللفظ، وقد اختار ذلك الصبان، وقال الشاطبي: إن الفعل يدل على الحدث بالمادة، وعلى الزمان بالصيغة، نحو: «ضرب» فالضاد والراء والباء تدل على الحدث في المصدر، والفعل واسم الفاعل وسائر المشتقات من هذه المادة، وبناؤها على وزن «فعل» يدل على الزمان؛ بل قالوا إن الفعل يدل على الفاعل والمكان التزاما كدلالة الإنسان على الضاحك، فالضاحك خارج عن الإنسان ليس كلا له ولا بعضا منه، ولكنه لازم للمعنى الموضوع له اللفظ، هذا ما يقوله الصرفيون، ولكن إذا كان الفعل يدل على الحدث والزمان بالمطابقة أو التضمن، وعلى الفاعل والمكان بالالتزام كما يقولون، فلماذا لا يكون للمصدر وسائر المشتقات كل هذه الدلالات؟ على حين نرى أن البصريين جردوا المصدر من الدلالة على غير الحدث في احتجاجهم على الكوفيين؛ إذ قالوا إن مدلول المصدر واحد وهو الحدث، ومدلول الفعل متعدد؛ لأنه يدل على الحدث والزمان بالمطابقة وعلى الفاعل والمكان بالالتزام، والواحد قبل المتعدد، وإذا كانت الصيغة تدل على الزمان كما قال الشاطبي، فكيف نعرف الزمان إذا تساوت صورة الماضي والمضارع، مثل: «مس يمس»، و«خاف يخاف»، لا بد إذن أن تكون هناك قرينة أخرى على الزمان، كان يجب أن تكون علامة خصوصية للزمان كما أن هناك علامة خصوصية للفاعل على ما نرى في بعض الأفعال في اللغة الإنكليزية، مثل:
he-wolk-ed
অজানা পৃষ্ঠা
فلفظة
he
علامة للفاعل، ولفظة
wolk
صيغة الفعل، ولفظة
ed
علامة للزمان، ولكن العرب استخدموا علامة الفاعل للدلالة على الفاعل بلفظها، وعلى الزمان بموضعها، فإذا أرادوا الماضي وضعوا علامة الفاعل في الآخر.
فكانت صيغة الماضي، نحو: ضربت وضربنا، وإذا أرادوا الحاضر وضعوا علامة الفاعل في الأول نحو: أضرب ونضرب، وإذا أرادوا المستقبل استخدموا صورة الحاضر مع قرائن أخرى كالسين وسوف وغيرهما، كما يفعل الأخرس؛ فإنه إذا أراد الإشارة إلى فعل فعله في الزمان الماضي فإنه يشير أولا إلى الفعل ثم إلى نفسه، وإذا أراد الإشارة إلى فعل يفعله في الحاضر أو المستقبل أشار أولا إلى نفسه ثم إلى الفعل. فالزمان إذن ليس له علامة خاصة به كالفاعل ولكن له موضعا، وعلامة الفاعل تستخدم لأمرين: للدلالة على الفاعل بلفظها، وعلى الزمان بموضعها. ولنشرع الآن في الكلام على كل صيغة بمفردها.
الماضي
يتميز الماضي عن المضارع والأمر في الأصل بوضع علامة الفاعل في آخره، وسترى أن علامات الفاعل في آخر المضارع والأمر ليست أصلية فيهما أولا، وهي غير علامات الفاعل في آخر الماضي ثانيا. وقد قلنا إن الضمائر المتصلة منحوتة من الضمائر المنفصلة، وإليك تصريف «ضرب» مثلا مع الضمائر:
অজানা পৃষ্ঠা
هو ضرب .
هما ضرب ا.
هم ضرب و.
هي ضرب ت.
هما ضرب تا.
هن ضرب ن ... إلخ.
فالفتحة في «هو ضرب» مأخوذة من «هو»، والألف من «هما» والواو من «همو» التي لا نزال نستعملها أحيانا في الشعر؛ مثل قوله: «همو رحلوا عنا لأمر لهم عنا»، والتاء في «هي ضربت» أصلها هاء، أي إن العرب مر عليهم زمان طويل كانوا يقولون في: «هي ضربت»: «هي ضربه»، ثم قلبوا الهاء تاء؛ لأن الهاء خفية، فصاروا تارة يقولون: «هي ضربه» وتارة: «هي ضربت»، ثم استقرت على التاء. ولا تزال اللغة العبرية تستعمل تارة الهاء وتارة التاء، وقلب الهاء تاء مألوف في اللغة العربية؛ فإن الهاء في نحو «المدرسة» إذا تحركت تحولت تاء، وإذا وقف عليها تحولت هاء، و«تا» في: «هما ضربتا» مأخوذتان من «هما» بعد حذف الميم وقلب الهاء تاء، والنون في «هن ضربن» مأخوذة من «هن»، والتاء من «ضربت» مأخوذة من «أنت»، و«تما» من «ضربتما» مأخوذة من «أنتما»، و«تم» من «ضربتم» مأخوذة من «أنتم»، والتاء في «ضربت» مأخوذة من «أنت»، و«تما» في «ضربتما» مأخوذة من «أنتما»، و«تن» في «ضربتن» مأخوذة من «أنتن»، و«نا» في «ضربنا» مأخوذة من «نحن»، وأما التاء في «أنا ضربت» فإنها ترجع إلى أصل قديم لا محل لبيانه هنا، فالفتحة في «هو ضرب» ليست حركة بنائية، والتاء في «هي ضربت» ليست علامة للتأنيث كما توهم الصرفيون، وإنما هما ضميران، وعليه يكون الضميران في «هو ضرب» و«هي ضربت» ظاهرين لا مستترين. وكان هذا النحت في الضمائر؛ لأنها طويلة، بعضها من مقطعين وبعضها من ثلاثة، بخلاف الضمائر في اللغات الإفرنجية، فإنها قصيرة، فليس في استعمالها مع الفعل ثقل على اللسان ولا طول ... بقي هناك كلام كثير عن تصريف الماضي مع الضمائر أضربنا عنه خوف الإطالة.
المضارع
أهم صيغ الأفعال في اللغة العربية صيغة الفعل المضارع؛ لأنه يستعمل للحال المثبت والمنفي، والاستقبال المثبت والمنفي، والقريب والبعيد، وقد يستعمل خبرا وطلبا، نهيا وأمرا، ويستعمل للماضي المنفي المنقطع عن الحاضر ب «لم»، والمنفي المتصل بالحاضر ب «لما»، فلو دل على الماضي المثبت لأغنى عن صيغتي الماضي والأمر، وصيغة المضارع هي صيغة الماضي؛ فهي مأخوذة من المصدر مثله، فكان يجب ألا يكون اختلاف في الصيغة بين الماضي والمضارع، لكن مع كرور الزمان وتلاعب اللسان، وقع الاختلاف في الصيغتين في أفعال كثيرة، فكانت أبواب الفعل الصحيح ستة، وهي:
ضرب يضرب.
অজানা পৃষ্ঠা
نصر ينصر.
علم يعلم ... إلخ.
ويدلك على أن تلاعب اللسان هو سبب هذا الاختلاف أن الأبواب الثلاثة الأولى أكثر استعمالا، وقد وقع هذا الاختلاف في عين الفعل لأنها متحركة في أصل وضعها، فهي عرضة لتلاعب اللسان، فجاءت تارة مفتوحة وتارة مكسورة وتارة مضمومة، ثم قد تتفق عين الماضي وقد تختلف، أما اتفاقها فلأن الصيغتين من أصل واحد، وأما اختلافها فلا سبب له غير تلاعب اللسان، ويدلك على ذلك أن الفعل الواحد قد يجيء على بابين أو أكثر من هذه الأبواب، فلو كان هناك سبب طبيعي، أو قصد اعتباري، لما جاز ذلك؛ بل إذا أخذنا فعلا من الأفعال الثلاثية ولم نكن نعرف أصله فلا نستطيع أن نحكم أنه من هذا الباب أو ذاك؛ إذ ليس لدينا قياس نعتمد عليه، وهذه حالة في اللغة لا تنطبق على مذهب النشوء والارتقاء، أي لو بقيت اللغة مطلقة لصار لكل باب من هذه الأبواب معنى خاص لا تجيء عليه إلا أفعال خاصة كما وقع ذلك في البعض من هذه الأبواب قبل عهد التدوين، فإن الأفعال التي تدل على عيب في الخلقة لا تجيء إلا من باب «علم يعلم» مثل: «خرس يخرس» و«طرش يطرش»، وإن كان غيرها يجيء عليه أيضا وعلى غيره، والأفعال التي تدل على الغرائز يجيء أكثرها على باب «كرم يكرم»، مثل: «شرف يشرف» و«حسن يحسن»، والأفعال التي عينها أو لامها حرف حلق يجيء أكثرها على وزن «فعل يفعل» بفتح العين في الماضي والمضارع لسهولة لفظ الحرف الحلقي مع الفتح، وباب «حسب يحسب» أغلب ما يجيء عليه الأفعال المبدوءة بواو، مثل: «ورث يرث» و«ولي يلي» ...
فأنت ترى أن الأفعال الثلاثية في اللغة العربية مرت على دورين ووقفت عند الدور الثالث. أما الدور الأول فهو الذي كانت فيه صيغتا الماضي والمضارع متشابهتين، وأما الدور الثاني فهو الدور الذي وقع فيه الاختلاف بينهما، وأما الدور الثالث فهو أن يختص كل باب بمعنى أو معنيين أو أكثر، ولكن جاء التدوين فوقف في وجه الدور الثالث، وإن كانت قد ظهرت طلائعه حينئذ كما تقدم.
وتتميز صيغة المضارع عن صيغة الماضي بموضع علامة الفاعل؛ فإن كانت في آخر الفعل فالفعل ماض، وإن كانت في أوله فالفعل مضارع، ولا نستطيع أن نعتمد في التمييز بينهما على ما وقع في الصيغتين من الاختلاف؛ لأنهما قد تتشابهان كما تقدم. •••
العلامات التي نضعها في أول المضارع أربع، فكيف تكفي لأربعة عشر شخصا، كان يجب أن يكون لكل شخص علامة خاصة تميزه عن غيره كما رأينا في الماضي، وربما كان الفعل المضارع لأول عهده يصرف بالعلامات الأربع، وهي: الهمزة والنون والتاء والياء. أما الهمزة فمأخوذة من «أنا»، وأما النون فمن «نحن»، وأما التاء فمن «أنت»، أو الهاء من «هي» بعد أن قلبت تاء، وأما الياء فمأخوذة من الهاء في «هو» بعد أن مرت على أدوار مختلفة مجهولة. ولما وقع الاشتراك بين عدة أشخاص في الياء؛ لأنه يشترك فيها أربعة أشخاص، وفي التاء؛ لأنه يشترك فيها ثمانية، لم يكن بد من مميز آخر؛ لئلا يقع الالتباس، فوضعوا هذه المميزات في آخره، فجعلوا للمثنى ألفا ونونا، ولجمع المذكر العاقل واوا ونونا، ولجمع المؤنث نونا، وللمخاطبة ياء ونونا، وكلها مأخوذة من أصول قديمة للضمائر المنفصلة لا تزال محفوظة في اللغتين العبرية والسريانية. •••
عرفنا أن علامة الفاعل تستعمل لغرضين: للفاعل والزمان، والمقصود من بيان الفاعل معرفة جنسه وشخصه وعدده؛ فإذا كان المضارع بعلامة واحدة، مثل: اذهب، ونذهب، ويذهب، وتذهب، فكل علامة تدل على أربعة أشياء: الزمان، وجنس الفاعل، وعدده، وشخصه؛ مثل: الياء في «يذهب»، والتاء في «تذهب»، فالياء تدل على أن الزمان حاضر، وأن الفاعل مذكر، وأنه مفرد، وأنه غائب. والتاء في «أنت تذهب» تدل على أن الزمان حاضر، وأن الفاعل مذكر، وأنه مفرد، وأنه مخاطب. إلا الهمزة والنون فإنهما تدلان على أن الزمان حاضر، وعلى عدد الفاعل وشخصه، ولا تدلان على جنسه؛ لأنهما تستعملان للمذكر والمؤنث على السواء.
وإذا كان المضارع بعلامتين في أوله وآخره فما ينقص في الأولى تكمله الثانية، وعليه فالياء في «هو يذهب» و«هما يذهبان» و«هن يذهبن» ليست متساوية في الدلالة، فالياء في «يذهب» تدل على أربعة أشياء: على الزمان، وجنس الفاعل، وعدده، وشخصه. وفي «يذهبان» تدل على الزمان، وجنس الفاعل، وشخصه، ولكنها لا تدل على عدده؛ لأنها موضوعة للمفرد، وهي هنا للمثنى، والياء في «يذهبن » تدل على شيء واحد وهو الزمان، ولا تدل على جنس الفاعل؛ لأنها موضوعة للمذكر، وهي هنا للمؤنث، ولا تدل على عدده؛ لأنها موضوعة للمفرد، وهي هنا للجمع، ولا تدل على شخصه؛ لأنها موضوعة للغائب، وهي هنا للغائبات، فأغنت عنها في ذلك كله النون في الآخر. وأما النون في «أنتن تذهبن» فلا تدل على ما تدل عليه النون في «هن يذهبن»؛ لأن التاء في «أنتن تذهبن» تدل على أن جنس الفاعل مؤنث؛ لأن التاء تستعمل للمذكر والمؤنث، وأن شخصه مخاطبه؛ لأن التاء تستعمل للمخاطب والمخاطبة، فلا يبقى إلا العدد فتدل عليه النون، فالنون في «هن يذهبن» تدل على جنس الفاعل وعدده وشخصه، والنون في «أنتن تذهبن» لا تدل إلا على العدد. ومع وجود العلامتين في أول المضارع وآخره فإن بعض صوره تتشابه، مثل: «أنتما تضربان» للمخاطبين، و«أنتما تضربان» للمخاطبتين، و«هما تضربان» للغائبتين؛ لذلك لا بد من الاعتماد على القرينة في التمييز بين الصورة الواحدة والأخرى. •••
وعلامة الفاعل في أول المضارع كانت في الأصل تحرك بالفتح، أو الكسر، أو الضم، بدون ضابط. ثم استقرت على الفتح؛ لأنه أخف الحركات، وإنما تضم في الأفعال الرباعية؛ لتتميز عن الفعل الثلاثي، ولا يقع التباس في مضارع الثلاثي والرباعي إلا في وزن «أفعل»، فإن مضارع «رجع» «يرجع»، ومضارع «أرجع» «يرجع»، ولولا ضمة الياء في مضارع «أرجع» لالتبس بمضارع «رجع»، ثم ضمت مع بقية الأفعال الرباعية طردا للباب.
وقد ورد في بعض لغات العرب كسر حرف المضارعة في باب «علم» وما افتتح بهمزة الوصل، وعليه يروى قول الراجز:
অজানা পৃষ্ঠা
قلت لبواب لديه دارها
تئذن فإني حمها وجارها
وقرئ
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ،
وإياك نستعين
بكسر حرف المضارعة في الجميع، ولا يزال حرف المضارعة يكسر في «إخال» على لغة طيئ. •••
ويقسم الفعل المضارع باعتبار آخره إلى ثلاثة أقسام: الأفعال الأربعة: وهي الأفعال المجردة عن علامة في الآخر؛ وهي «يفعل، وتفعل، وأفعل، ونفعل»، والأفعال الخمسة: وهي الأفعال التي تلحقها الألف والواو والياء مع نون الإعراب؛ وهي: «يفعلان ، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين»، والفعلان وهما اللذان تلحقهما نون الإناث، وهما: «يفعلن، وتفعلن»، وكلها معربة إلا الفعلين، وقد اختلف في أسباب إعرابها مما لا حاجة إلى ذكره، والحقيقة أن الإعراب لم يقع في الفعل المضارع إلا عن تلاعب اللسان، فكان العرب يرفعونه وينصبونه ويجزمونه اتفاقا، ثم جعلوا يرفعونه في مواضع مخصوصة، وينصبونه أو يجزمونه في مواضع أخرى، والفرق بينه وبين الاسم في الإعراب أن الاسم يخفض وأما الفعل فيجزم، فلماذا جزم بدلا من الخفض؟! جزم بقصد التأكيد، ولذلك جزم في الطلب، نحو: «ليذهب، ولا تذهب»؛ لأن الجزم أنسب للطلب وأدل على التأكيد، وإنما جزم في النفي ب«لم» و«لما» مع أنه غير طلبي فلتأكيد النفي، ف «لم يضرب» أدل على التأكيد من «ما ضرب»؛ ولذلك سمي السكون في «ليذهب» و«لا تذهب» و«لم يذهب» جزما أي قطعا، فالسكون على الطاء في «أطلب» سكون، وعلى الباء سكون وجزم، وبعبارة أخرى إن السكون لفظي - أي إبطال الحركة - والجزم معنوي أي تأكيد، ثم إن الجزم قد يكون بغير سكون كالجزم في الأفعال الخمسة والأفعال الناقصة؛ لأن حذف النون من الأفعال الخمسة واستبدال الحركة الطويلة بحركة قصيرة في الأفعال الناقصة، تقصير للكلمة، والتقصير يناسب الجزم والتأكيد، ومن هنا يظهر أن للجزم سببا معقولا لا نجده في الرفع أو النصب، والله أعلم.
الأمر
لم يكن في اللغة العربية صيغة خاصة للأمر؛ بل كنا نستعمل المصدر للأمر، كما لا نزال نستعمله إلى الآن، مثل: صبرا، رفقا ... والمصدر المستعمل أمرا لا يصرف مع الضمائر؛ بل يستعمل للجميع على السواء؛ لأن الفاعل يعرف من توجيه الكلام إلى المخاطب. ثم مع الزمان تولدت في اللغة العربية صيغة للأمر، وهي مأخوذة من المضارع. فلماذا أخذنا صيغة الأمر من المضارع ولم نأخذها من الماضي؟ لذلك سببان: الأول؛ أن صيغة المضارع مشتركة بين الحال والاستقبال، وأما صيغة الماضي فموضوعة للماضي؛ ولأن الأمر لا يدل إلا على الاستقبال، كانت صيغة المضارع أنسب له. الثاني؛ للمضارع ثلاث حالات إعرابية: «رفع، ونصب، وجزم »؛ ولأن الجزم أنسب للأمر أخذنا له المضارع المجزوم، وعلى ذلك يكون الأمر معربا لا مبنيا، وليس له إلا حالة واحدة وهي الجزم على رأي الكوفيين، وليس جزمه بناء كما يقول جمهور الصرفيين.
ولم يكن للأمر في أصل استعماله علامة للفاعل، فكان يعرف الفاعل من القرينة، وهي توجيه الكلام إلى المخاطب، فإذا قلت لشخص واقف أمامي «اذهب» عرف الفاعل بدون علامة خاصة له؛ لأن المقصود من العلامة بيان الفاعل، فإذا كان الفاعل معروفا من توجيه الكلام استغنينا عنها. وكما استغنينا عن علامة للفاعل استغنينا عن علامة للزمان؛ لأن هناك قرينة تدل عليه، وهي الطلب؛ إذ العمل الذي نطلبه لا يكون إلا في المستقبل بعد الطلب، إذن فالفاعل في الأمر يعرف من قرينة توجيه الكلام إلى المخاطب، والزمان يعرف من قرينة الطلب، فلما أخذنا صيغة المضارع المجزوم حذفنا العلامة من أوله لاستغنائنا عنها، ثم لما تولدت هذه الصيغة في اللغة، وكان العرب يميلون إلى الدقة في البيان أضافوا إلى الأمر علامات للمثنى، ولجمع المذكر العاقل، ولجمع المؤنث، وللمخاطبة، وإن كانت هناك قرينة معنوية تغني عن هذه العلامات كما تقدم. وتركوا الأمر للمخاطب بدون علامة لفظية؛ اكتفاء بالقرينة حسب الأصل. وقد اختصت صيغة الأمر بالشخص المخاطب في حالة الإثبات، ولكن إذا أردنا توجيه الأمر إلى غير المخاطب استعملنا صيغة المضارع المجزوم مع اللام للأمر المثبت، وإن جاز استعمال هذه الصيغة للمخاطب وغيره، ومع لا الناهية للأمر المنفي، فقلنا: «ليذهب» و«لا يذهب». وقد امتاز الأمر بأنواع كثيرة أجعل الكلام عنها خاتمة هذا البحث: (1)
অজানা পৃষ্ঠা