فالدجاجة الكبة من الغزل، والفروجة الدراعة، وما أخذت لفلان بقرة ولا ثورا. فالبقرة العيال الكثيرة. يقال: جاء فلان يسوق بقرة، أي عياله، والثور القطعة الكبيرة من الأقط.
وحكي أن معاوية رضي الله تعالى عنه بينما هو جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام، فقام خطيبا، وكان آخر كلامه أن لعن عليا رضي الله تعالى عنه ولعن لاعنه، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين إن هذا القائل لو يعلم أن رضاك في لعن المرسلين للعنهم، فاتق الله يا أمير المؤمنين ودع عنك عليا رضي الله تعالى عنه، فلقد لقي ربه، وأفرد في قبره، وخلا بعمله، وكان والله المبرور سيفه الطاهر ثوبه العظيمة مصيبته، فقال معاوية: يا أحنف لقد تكلمت بما تكلمت، وأيم الله لتصعدن على المنبر فتلعنه طوعا أو كرها، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين إن تعفي فهو خير لك وإن تجبرني على ذلك، فو الله لا تجري شفتاي به أبدا، فقال: قم فاصعد، قال: أما والله لأنصفنك في القول، والفعل، قال: وما أنت قائل إن أنصفتني، قال:
أصعد المنبر، فأحمد الله وأثني عليه، وأصلي على نبيه محمد ﷺ ثم أقول: أيها الناس، إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليا، ألا وإن معاوية وعليا اقتتلا فاختلفا، فادعى كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمنوا رحمكم الله، ثم أقول اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعنا كثيرا أمنوا رحمكم الله. يا معاوية لا أزيد على هذا ولا أنقص حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي. فقال معاوية: إذا نعفيك يا أبا بحر.
وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر قال: أفعل، فصعد المنبر، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ﷺ: أيها الناس إن معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه فعليه لعنة الله، ثم نزل، فقال له معاوية: إنك لم تبين من لعنت منهما بيّنه، فقال: والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا، والكلام إلى نية المتكلّم.
ودخلت امرأة على هرون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه، فقالت: يا أمير المؤمنين: أقر الله عينك، وفرحك بما آتاك، وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت، فقال لها: من تكونين أيتها المرأة. فقالت: من آل برمك ممن قتلت رجالهم، وأخذت أموالهم، وسلبت نوالهم.
فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، ونفذ فيهم قدره، وأما المال فمردود إليك، ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه، فقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة، فقالوا:
ما نراها قالت إلا خيرا. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك، أما قولها أقر الله عينك، أي أسكنها عن الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عميت، وأما قولها: وفرّحك بما آتاك، فأخذته من قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً
«١» وأما قولها: وأتم الله سعدك، فأخذته من قول الشاعر:
إذا تمّ أمر بدا نقصه ... ترقّب زوالا إذا قيل، تم
وأما قولها لقد حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ١٥
«٢»، فتعجبوا من ذلك.
وحكي: أن بعضهم دخل على عدوه من النصارى، فقال له: أطال الله بقاءك، وأقر عينك، وجعل يومي قبل يومك، والله إنه ليسرني ما يسرك، فأحسن إليه، وأجازه على دعائه، وأمر له بصلة، وكان ذلك دعاء عليه لأن معنى قوله: أطال الله بقاءك، حصول منفعة المسلمين به في أداء الجزية، وأما قوله: وأقر عينك، فمعناه سكن الله حركتها أي أعماها، وأما قوله: وجعل يومي قبل يومك، أي جعل الله يومي الذي أدخل فيه الجنة قبل يومك الذي تدخل فيه النار، وأما قوله: إنه ليسرني ما يسرك، فإن العافية تسره كما تسر الآخر. فانظر إلى الاشتراك وفائدته، ولولا الاشتراك ما تهيأ لمتستر مراد ولا سلم له في التخلص قياد.
وكان حماد الراوية لا يقرأ القرآن، فكلفه بعض الخلفاء القراءة في المصحف، فصحف في نيف وعشرين موضعا من جملتها قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ٦٨
«٣» بالغين المعجمة والسين المهملة «٤» . وقوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ
1 / 53