شيء، فقال: لا، وأيد الله أمير المؤمنين، فقال المأمون:
ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها.
وكان الصاحب يقول: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ. ويقال: اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم «١» .
وقال بعضهم شعرا:
سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب
وكذاك قسّ ناطق بعكاظه ... يعيا لديه بحجة وجواب «٢»
وقيل أنه حج مع ابن المنكدر شابان، فكانا إذا رأيا امرأة جميلة قالا: قد أبرقنا، وهما يظنان أن ابن المنكدر لا يفطن، فرأيا قبة فيها امرأة، فقالا: بارقة، وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر: بل صاعقة.
وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا امرأة جميلة يقولون: حجّة، فعرضت لهم قبيحة، فقالوا: داحضة «٣» .
وكتب إبراهيم بن المهدي: إياك والتتبع لوحشيّ الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك الألفاظ السفل.
ويقال: القول على حسب همة القائل يقع والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.
وقال الأحنف: سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى رضي الله تعالى عنهم، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة.
وقال معاوية رضي الله تعالى عنه: ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله تعالى عنها، ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلا فتحته، ولا فتحت بابا فأرادت إغلاقه إلا أغلقته.
ومن غريب الكنايات الواردة على سبيل الرمز، وهو من الذكاء والفصاحة: ما حكي أن رجلا كان أسيرا في بني بكر بن وائل وعزموا على غزو قومه، فسألهم في رسول يرسله إلى قومه، فقالوا: لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم، فجاءوا بعبد أسود، فقال له: أتعقل ما أقوله لك، قال: نعم إني لعاقل، فأشار بيده إلى الليل، فقال: ما هذا؟ قال: الليل. قال: ما أراك إلا عاقلا، ثم ملأ كفيه من الرمل وقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنه لكثير، فقال: أيما أكثر، النجوم أم النيران؟ قال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم يكرموا فلانا يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل، فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما أكلت معكم حيسا، واسألوا عن خبري أخي الحارث. فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب، ثم دعوا بأخيه الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم، أما قوله: قد دنا العرفج، يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله: شكت النساء أي أخذت الشكاء للسفر، وأما قوله: أعروا ناقتي الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء، واركبوا الجمل الأصهب، أي الجبل. وأما قوله: أكلت معكم حيسا، أي أن أخلاطا من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا أمره وعرفوا لحن الكلام وعملوا به فنجوا.
وأسرت طيء غلاما من العرب، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطوا عليه، فقال أبوه: والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيء ما عندي غير ما بذلته ثم انصرف، وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه، فكأنه قال له: إلزم الفرقدين يعني في هروبك على جبل طيء، ففهم الإبن ما أراده أبوه وفعل ذلك فنجى.
وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاما خادما اسمه طل، فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكرة في شعرها، فاطلع الرشيد يوما عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة، فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ
، فالذي نهى عنه أمير المؤمنين.
ومن ذلك قولهم: تركت فلانا يأمر وينهى وهو على شرف الموت، أي يأمر بالوصية وينهى عن النوح، ويقال:
ما رأيت فلانا، أي ما ضربته في رئته، ولا كلّمته أي ما جرحته، فإن الكلوم الجراح، وما رأيت ربيعا، فالربيع حظ الأرض من الماء، والربيع النهر، وما رأيت كافرا ولا فاسقا، فالكافر السحاب والفاسق الذي تجرد من ثيابه، وما رأيت فلانا راكعا ولا ساجدا ولا مصلّيا، فالراكع العاثر الذي كبا لوجهه، والساجد المدمن النظر، والمصلّي الذي يجيء بعد السابق، وما أخذت لفلان دجاجة ولا فروجا،
1 / 52