ومع تجهيزها لتلك النظارة وإحضارها معها فإنها؛ على الأرجح، وبغريزة نسائية عجيبة ترددت في لبسها مراعاة لشعور أكيمي؛ أي إنها قلقت من أن تعتقد أكيمي التي من جنسها أنها تعتقد في نفسها أنها جميلة جمالا لا يقلل منه لبس نظارة طبية.
42
فرد الدليل خارطة للمكان وشرحه لنا. تمتد منطقة «صن يا» يمينا ويسارا في المساحة التي بين محطة أساكوسا صن يا تشو على خط الترام التابع لبلدية العاصمة، ومحطة ناميداباشي. يمتلئ الجانب الغربي الذي يبدو راقيا إلى حد ما ببائعات الهوى والقوادين، ويعد الجانب الشرقي - مقارنة به - أكثر خشونة وفظاظة، ويفتقر إلى جو الإثارة الجنسية بقدر كبير.
كانت منطقة «صن يا» في الماضي تقتصر على عمال اليومية من الرجال الذي يعملون في الأعمال البدنية، ولكنها حاليا في طور الانتقال إلى أن تكون منطقة لتجمع النساء، أو ما يمكن وصفه بوكر العاهرات غير المرخصات، وأبعد مكان تذهب إليه العاهرة للعمل هو مدينة أوميا، ولكن تسلب المرأة إرادتها الحرة من رجل يمتص عرقها بالضرورة، وإن وقعت في فخ رجل قاس، فإنها تقضي طوال اليوم تحت سماء الشتاء حتى تصبح أقدامها قرمزية اللون، وفي اليوم الذي يقل دخلها، لا تعطى إلا ثلاثة أرغفة من الخبز الغربي.
قارنا نحن الأربعة هذه المعيشة، بعالم الجنس المعقد المريب الذي اصطدم بنا، حتى الآن، فعجزنا عن أن نعرف بالفعل أيا منها هي الحياة التي تمثل المأساة للجنس البشري؟ ولا ريب أن ريكو قد شعرت، على الأرجح، بنفس شعوري هذا. على جانب مأساة حيوانية مضطربة، وعلى الجانب الآخر مأساة تشبه دانتيلا رقيقة؛ بل إن ريكو ولدت وقدرها أن تكون لها علاقة بكليهما.
ركبنا نحن الأربعة مع الدليل سيارة، وأصبحت ريكو تميل إلى الصمت وهي تفكر بالموقف المقترب منها حثيثا، وكان ريوئتشي يضع يده على كتفها بحنان ليشد من أزرها. وكانت عينا أكيمي تتألقان، من شدة فضولها، تجاه ذلك العالم الجديد عليها. أما أنا فكنت أرتعش من الأمل في مدى تأثير وفاعلية قراري هذا الحاسم على الطبقات العميقة من النفس الإنسانية.
أوقفنا السيارة في مكان يبتعد كثيرا عن منطقة «صن يا»، ودخلنا في شارع بالغ السعة في البلوك الرابع من منطقة «صن يا»، لنمشي جماعات صغيرة.
كانت ليلة غائمة متبقية فيها حرارة الصيف الرطب. ولكن كانت تلك الناحية من المنطقة قليلة المارة على عكس المتوقع. «لا داعي للعجلة، لنسر وندر في المكان بغير هدف، ولنجرب اختلاس النظر هنا وهناك دون أن يبدو ذلك متعمدا. وإن لم نعثر عليه رغم ذلك، فلنذهب لمقابلة «العم» الذي أعرفه. فذلك العم يعرف كل من يقيم هنا لمدة تزيد على الشهر؛ وحتى إن لم نعثر عليه الليلة فمن المؤكد أننا سنعثر عليه إن كررنا المجيء هنا مرتين أو ثلاث مرات.»
قال الدليل ذلك ثم مشى أمامنا متسكعا بلا هدف. كان يبدو من طريقة سيره أنه معتاد تماما هذه المنطقة؛ فلا يسرع الخطى كأن وراءه مهمة عاجلة، بل يقف حينا ويرجع بتؤدة من حيث أتى حينا آخر. وكان بالضرورة في كل ركن من الطريق نجد تجمعا من الرجال يقفون ويثرثرون معا، ولم يكن منظر سيرنا نحن الأربعة معا، أو وقوفنا أحيانا لنلقي نظرة عامة على المكان مما يلفت الانتباه، ولكن حدث عدة مرات أن ينظر الرجال إلى وجه ريكو الجانبي نظرات حادة.
مع الغيوم التي تدلت بانخفاض في السماء كانت روائح غريبة تحيط هذه المنطقة. وتتراص بيوت الدعارة التي أبرزتها مصابيحها الخارجية تحت أشجار الصفصاف، ويعلو أسماء البيوت شعار: «أسعارنا مخفضة رحمة بالزبائن»، ثم كتب على زجاج المدخل بخط أحمر: سعر المبيت لليلة، ثلاثمائة وعشرون ينا؛ غرفة فردين سعر الفرد مائة وستون ينا ... إلخ.
অজানা পৃষ্ঠা