23
تولد داخلي - دون أن أدري - حذر عميق الجذور تجاه كذب ريكو. وكسلت عن تقديم الرد الذي يجب تقديمه طبيعيا بصفتي طبيبها المعالج، وأهملت حالتها؛ وذلك لخوفي من أن تعم الفوضى في حياتي النفسية أنا شخصيا بسببها.
وسبب آخر؛ أنه لم يأت اتصال من ريوئتشي إغامي، واستمرت أيام الربيع الجميلة في تلك اللحظة واكتملت بذلك الشروط المناسبة جدا من أجل أن أبعد حالة ريكو عن تفكيري. ومع أنني لم أفكر في ذلك مطلقا من قبل إلا أنني فكرت أن أصحب أكيمي وأذهب في رحلة إلى الينابيع الساخنة من أجل الراحة والترفيه الجسدي والمعنوي.
وأثناء تفكيري هذا، جاءت إلى عيادتي رسالة غريبة من مجهول. «إن علم التحليل النفسي يدمر الثقافة التقليدية لليابان. إن الافتراضات السلبية مثل الإحباط من عدم إشباع الرغبات تدنس الحياة النفسية لليابانيين الأخيار البسطاء. ومع أن ثقافة اليابان المتحفظة تجنبت حتى الآن التدخل المفرط في قلوب الآخرين، إلا أن العقل الأكثر حقارة وسقوطا في الفكر الغربي ولد عقيدة وضيعة وقذرة تبحث عن سبب جنسي لكل سلوك بشري، وتدعي أنه من خلال ذلك يتحرر المرء من الضغط النفسي المترتب على ذلك. وأنت بصفة خاصة، صرت أسيرا وخادما تافها للفكر اليهودي، مثل ذبابة نتنة تضع بيضها القذر في الإنسانية الطاهرة الراقية. اذهب عليك اللعنة!»
عندما قرأت أكيمي تلك الرسالة ارتعشت من الرعب، وقررت من نفسها أنها رسالة تهديد من اليمين المتطرف، وكانت على وشك الاتصال بالشرطة، ولكنني وبختها قائلا: «كفي عن ذلك. فأولا هذه الرسالة ليس بها أي جملة تهديد محددة. وهي رسالة منطقية وعقلانية وموجزة بالنسبة لمريض بالفصام، فربما تكون رسالة كتبها طبيب من نفس التخصص حقدا وحسدا على نجاح عيادتنا. وشيء آخر هو أنه لو ذهبنا بتلك الرسالة التجريدية إلى أنها رسالة تهديد فمن المتوقع أن ينتهي الأمر بأن تهزأ بنا الشرطة وتسخر منا فقط.»
كانت أكيمي كأنها تتعرف إلى رجولتي التي يعتمد عليها، والتي لا تراها في المعتاد. بينما مشاعري شخصيا على العكس؛ إنني كنت أفضل أن تكون تلك الرسالة رسالة تهديد من اليمين المتطرف.
فإن حدث ذلك، فأولا سيدغدغ ذلك غروري الذي يقول إن تلك هي أول مرة ينتقد فيها عملي من خلال أيديولوجية سياسية. وثانيا لأنها ستكون وثيقة مشوقة تتنبأ لنا بنمو الفاشية اليابانية على الطريقة الأمريكية.
يشير عالم الاجتماع روينتال - والذي لوحق من النازية وهاجر إلى أمريكا، في كتابه «المتنبئ المغرور» - إلى هجوم اليمين الأمريكي المتطرف على علم النفس التحليلي بما يلي: «إن كل رمز للتوعية الليبرالية هدف لهجماته (المحرض)، فهو يمسك بتلابيب علم النفس، وبصفة خاصة علم التحليل النفسي ويهاجمه بعنف وقسوة.»
والسبب في ذلك أنه يهز يقين «الأمريكيين البسطاء». وإن حدث في اليابان أن أصبح التحليل النفسي هدفا لهجوم القوى الرجعية كما حدث في أمريكا؛ فهذا يعني الاعتراف بالأهمية الاجتماعية لعلم التحليل النفسي.
ولكن أحلام اليقظة تلك التي حلمت بها لم تثمر شيئا، ومع مرور الأيام اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الرسالة ليست تهديدا من اليمين المتطرف. بمعنى أنه بعد تلك الرسالة انهالت على العيادة الرسائل والبطاقات البريدية الغريبة بنفس الخط كل يوم بل ومرتين في اليوم أحيانا.
অজানা পৃষ্ঠা