ردت ريكو بتلقائية، وكان ردها هذا يظهر بوضوح أنها قررت قرارا حاسما؛ هو أن تعتمد علي في علاجها من مرضها، مما جعلني أطمئن. وفي نفس الوقت مر في ذهني للحظة خاطفة تساؤل: ألا يكون هذا هو حالها عندما تسلم جسدها إلى حبيبها الوسيم الذي لا يفلح في أن يجعلها تحس بأي شيء؟ «على سبيل المثال: تذهبين إلى الأرياف وترين هذا المنظر: حقول زراعية. غابة فوق هضبة. عدد صغير من البيوت السكنية. حدأة تطير في السماء في شكل دائري. لا عليك إلا أن تقولي لي ما يعن لك وما يخطر على بالك كما هو، لو مثلا لفت نظرك خزان الصرف، اذكريه، لو كان ما يطير في السماء طائرة بدلا من الحدأة، اذكريها، وإن كانت ثمة سيدة تمشي بين حدود الحقول مرتدية فراء «منك
Mink » بما لا يتناسب مع الأرياف اذكريها، ولا تمانعي تماما من تضارب ترتيب الأحداث، لا عليك إلا ذكر كل شيء كما يطرأ على ذهنك.
فكري أنك مجرد مخبر يراقب الأحداث التي تدور في رأسك ليبلغ عنها. وأثناء ذلك احذري أن تقرري بنفسك شيئا أو أن تعيدي ترتيب شيء أو تشويهه. هل فهمت؟» «أجل.»
أغمضت ريكو عينيها فوق الأريكة كأنها مريض قرر أن تجرى له عملية جراحية خطيرة. وعندما نظرت إليها من أعلى رأسها، كانت أهدابها الطويلة - المعتنى بها جيدا - تلقي بظلالها على خديها فبدا وجهها كأنه وجه قديسة. «هناك مخزن كبير ... أدخل المخزن ... إنه مخزن بيت عائلة شون. إن بيت شون قديم. ولأن شون - قريبي الذي أصبح خطيبي فيما بعد - قال لي إنه سيريني شيئا مشوقا، فأنا ... ولكنني في النهاية لم أستطع مواصلة الدخول في المخزن فخرجت منه ... لأنني كنت خائفة نوعا ما ... لا أعرف لماذا كنت خائفة. بعد ذلك أنا وحيدة في غرفتي أقص ورقة طي زرقاء بمقص يصدر صوتا عاليا لأصنع عملا من قصاقيص الورق. كنت طفلة بشعر يشبه الباروكة. طفلة ماهرة في استخدام يدي والعمل بالمقص ... أقص الورقة بلا توقف. همها مواصلة القص، لا تنتهي الورقة الزرقاء، ومهما جذبتها تستمر إلى ما لا نهاية ... أجل كنت أقص بالمقص. وأثناء القص وجدت أن الورقة الزرقاء اتصلت بالسماء الزرقاء. ومع ذلك عندما واصلت القص بالمقص انشقت السماء نصفين. ومن ذلك الشق ... آه ... فجأة شعرت برعب هائل ...»
قالت ريكو ذلك وهي تصرخ وتغطي وجهها بيديها. «ما الذي أخافك؟ قولي كل شيء مهما كان! قولك سيزيل الخوف!» «ثور هائج ...» «ثور؟ ماذا فعل؟» «ركض الثور نحوي بقوة هائلة. باندفاع مرعب، وهو يضرب الأرض فتثير عاصفة من الغبار، يجري تجاهي مباشرة بكل قوته. وقرناه الاثنان ... كلا ليسا قرنين، بل هما يتخذان شكلا أكثر خلاعة ... أجل، ليسا قرني ثور. بل كل منهما يأخذ شكل عضو الذكر البشري.
ولكنه اختفى فجأة عندما جاء أمامي. سرعان ما صرت طالبة في مدرسة البنات. وعندما بدأت صديقاتي الحديث عن ذلك الأمر، قلت إنني لا يمكنني تصديق شيء كهذا، إن فعلت الأنثى ذلك فلا بد من أن جسمها سينكسر وتذهب للمستشفى لعلاجه؛ مما أضحك باقي الصديقات. كانت لدي فكرة غريبة جدا عن ذلك الفعل. إن ثمة امرأة؛ نصفها الأسفل من حديد، وتقرب إليها الرجال وتقتلهم بقوة الضغط عليهم بفخذيها الحديديين. ربما كانت تلك فكرة جاءتني من قصص الأطفال الغريبة، ولكن لسبب لا أعلمه كان دائما يقع علي عبء صقل نصفي الأسفل الحديدي هذا ليكون في لمعة براقة مثل عملية تلميع الحذاء. إن السيارة التي تراكم عليها الغبار، مثلها مثل الحذاء الذي تراكم عليه الغبار؛ يعدان أشياء مخزية تجلب العار، وكان نصفي الحديدي الأسفل أيضا كذلك. أضع عليه زيت التلميع ... أجل كان كذلك، كنت ألمعه بزيت تفوح منه رائحة عطرة رائعة.
وما لا أفهمه أن ذلك كان في مدينة بعيدة غير مسقط رأسي ... في غرفة الإدارة بمدرسة تعليم خياطة الأزياء الغربية، تعاركت مع مدرسة عانس، ثم هربت وغادرت المدرسة ... ولكنني لم أذهب في حياتي إلى مدرسة لتعليم خياطة الأزياء الغربية، ولم أتعارك في حياتي مع مدرسة ... لا بد أن المقص هو السبب في ظهور مدرسة الخياطة. أجل! ... أجل! لقد فهمت. إن نصفي الأسفل الحديدي كان على شكل مقص. لقد علمتني عمتي أن أضع الزيت على المقص وألمعه حتى لا يصدأ فلا يستخدم. ولم أجد زيتا ملائما، فأعارتني عمتي زيت شعرها المستورد. أجل، لقد عرفت أن عمتي هذه لها عشيق تخفيه عن زوجها بالطبع. في ليلة من ليالي الصيف ...» «في ليلة من ليالي الصيف؟»
فتحت ريكو عينيها ونظرت إلى السقف في شرود وهي صامتة. «هل رأيت شيئا؟» «أجل، رأيت.» «ما هو؟» «كلا، لم أر شيئا على الإطلاق.»
غطت ريكو وجهها بيديها وبدأت تبكي. ... ... ...
لأكون صادقا لا مفر من الاعتراف بأن الجلسة الأولى من جلسات التحليل النفسي قد باءت بالفشل. فمع أن ريكو بدت، بدرجة كبيرة، أنها أسلمت لي نفسها، إلا أنها كانت تخفي مقاومة شديدة، وإضافة إلى ذلك - ومن أجل التمويه على إخفائها - أفرطت في استخدام الرموز الجنسية استخداما عشوائيا على حسب ما يتراءى لها بطريقة محبوكة . ومن الواضح تماما أنها تفتعل، وحدث دمج وخلط بين الافتعال واللاوعي في إطار عجيب.
অজানা পৃষ্ঠা