মরুঝ আল-ধাহাব ওয়া-মা'আদিন আল-জওহর
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قال المسعودي: وقد كان أحمد بن طولون بمصر بلغه في سنة نيف وستين ومائتين أن رجلا بأعالي بلاد مصر من أرض الصعيد له ثلاثون ومائة سنة من الأقباط، ممن يشار إليه بالعلم من لدن حداثته، والنظر والإشراف على الآراء والنحل من مذاهب المتفلسفين وغيرهم من أهل الملل، وأنه علامة بمصر وأرضها من برها وبحرها وأخبارها وأخبار ملوكها، وأنه ممن سافر في الأرض، وتوشط الممالك، وشاهد الأمم من أنواع البيضان والسودان، وأنه ذو معرفة بهيئات الأفلاك والنجوم وأحكامها، فبعث أحمد بن طولون برجل من قواده في أصحابه، فحمله في النيل إليه مكرما، وكان قد انفرد عن الناس في بنيان اتخذه، وسكن في أعلاه، وقد رأى الولد الرابع عشر من ولد ولده، فلما مثل بحضرة أحمد بن طولون نظر إلى رجل دلائل الهرم فيه بينة، وشواهد ما أتي من الدهر ظاهرة، والحواس سليمة والقضية قائمة، والعقل صحيح، يفهم عن مخاطبة، ويحسن البيان والجواب عن نفسه، فأسكنه بعض مقاصيره، ومهد له، وحمل إليه لذيذ المآكل والمشارب، فأبى أن يتواطأ على شيء، وأن يتغذى إلا بغذاء كان حمله معه من كعك وغيره، وقال: هذه بنية قوامها بما ترون من هذا الغذاء، وهذا الملبس، فإن أنتم سمتموها النقلة عن هذه العادة وتناول ما أوردتموه عليها من المآكل والمشارب والملابس كان ذلك سبب انحلال هذه البنية، وتفريق هذه الصورة، فترك على ما كان عليه، وما جرت به عادته، وأحضر له أحمد بن طولون من حضره من أهل الحراية، وصرف همته عليه، وأخلى نفسه له في ليال وأيام كثيرة، يسمع كلامه وإيراداته وجواباته فيما يسأل عنه، فكان مما سئل عنه الخبر عن بحيرة تنيس ودمياط، فقال: كانت أرضا لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة وثراوة، وكانت جنانا ونخلا وكرما وشجرا ومزارع، وكانت فيها مجار على ارتفاع من الأرض وقرى على قرارها، ولم ير الناس بلدا كان أحسن من هذه الأرض، ولا أحسن اتصالا من جنانها وكرومها، ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبهها إلا الفيوم وكانت أكثر خيرا من الفيوم وأخصب وأكثر فاكهة ورياحين من الأضناف الغريبة، وكان الماء منحدرا إليها لا ينقطع عنها صيفا ولا شتاء، يسقون منه جنانهم إذا شاءوا، وكذلك زروعهم وسائره يصب إلى البحر من سائر خلجانه، ومن الموضع المعروف بالأشتوم، وقد كان بين البحر وبين هذا الارض نحو مسيرة يوم قبرس تسلكه الدواب يبسا، ولم يكن فيما بين العريش وجزيرة قبرس إلا مخاضة، وجزيرة قبرس اليوم بينها وبين العريش في البحر سير طويل، وكذلك فيما بينها وبين أرض الروم، وقد كان بين الأندلس وبين الموضع الذي يسمى الخضراء - وهو قريب من فاس المغرب وطنجة - قنطرة مبنية بالحجارة والطوب تمر عليها الإبل والدواب من ساحل المغرب من بلاد الأندلس إلى المغرب، وماء البحر تحت تلك القنطرة متقطع خلجانات صغارا تجري تحت قناطرها وما عقد من الطاقات تحتها على صخور صم، وقد عقد من كل حجر إلى حجر طاق، وهو مبدأ بحر الروم الأخذ من أوقيانوس، وهو البحر المحيط الأكبر، فلم يزل البحر يزيد ماؤه ويعلو أرضا فأرضا في طول ممر السنين، يرى زيادته أهل كل زمان، ويتبينه أهل كل عصر، ويقفون عليه، حتى علا الماء الطريق الذي كان بين العريش وبين قبرس وعلا القنطرة التي كانت بين الأندلس وبرطنجة، وما وصفت فبين ظاهر عند أهل الأندلس وأهل فاس من بلاد المغرب من خبر هذه القنطرة، وربما بدا الموضع لأهل المراكب تحت الماء، فيقولون: هذه القنطرة، وكان طولها نحو اثني عشر ميلا، في عرض واسع، وسمو بين، فلما مضت لديقلطيانوس من ملكه مائتان وإحدى وخمسون سنة هجم الماء من البحر على بعض المواضع التي تسمى اليوم بحيرة تنيس فأغرقه، وصار يزيد في كل عام حتى أغرقها بأجمعها، فما كان من القرى التي في قرارها غرق، وأما التي كانت على ارتفاع من الأرض فبقيت منها بونة وسمنور وغيم ذلك مما هي باقية إلى هذا الوقت، والماء محيط بها، وكان أهل القرى التي في هذه البحيرة ينقلون موتاهم إلى تنيس فيقبرونهم واحدا فوق آخر، وهي الأكوام الثلاثة التي تسمى اليوم أبو الكوم، وكان استحكام غرق هذه الأرض بأجمعها وقد مضى لديقلطيانوس الملك مائتان و إحدى وخمسون سنة، ذلك قبل أن تفتح مصر بمائة سنة، وقال: وقد كان لملك من ملوك الأمم كانت داره الفر ما مع أركون من أراكنة البلينا وما اتصل بها من الأرض حروب وخنادق وخلجانات فتحت من النيل إلى البحر، يمنع كل واحد من الآخر، وكان ذلك داعيا لتشعب الماء من النيل واستيلائه على هذه الأرض.
وسئل عن ملوك الأحابش على النيل وممالكهم فقال: لقيت من ملوكهم ستين ملكا في ممالك مختلفة، كل ملك منهم ينازع من يليه من الملوك، وبلادهم حارة يابسة مسودة ليبسها وحرارتها ولاستحكام النارية فيها تغيرت الفضة ذهبا لطبخ الشمس إياها لحرارتها ويبسها وناريتها فتحولت ذهبا، وقد يطبخ الذهب التي يؤتى به من المعدن خالصا صفائح بالملح والزاج والطوب فيخرج منه فضة خالصة بيضاء، وليس يدفع هذا الأمر إلا من المعرفة له بماوصفنا، ولا قارب شيئا مما ذكرنا.
قيل له: فما منتهى النيل في أعاليه؟ قال: البحيرة التي لا يدرك طولها وعرضها، وهى نحو الأرض التي الليل والنهار فيها متساويان طول الدهر، وهي تحت الموضع الذي يسميه المنجمون الفلك المستقيم، وما ذكرت فمعروف غير منكر.
الأهرام
পৃষ্ঠা ১৫৪