মরুঝ আল-ধাহাব ওয়া-মা'আদিন আল-জওহর
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ثم ملكت بعد ابنته قلبطرة وكان ملكها اثنتين وعشرين سنة وكانت حكيمة متفلسفة، مقربة للعلماءمعظمة للحكماءولها كتب مصنفة في الطب والرقية وغير ذلك من الحكمة، مترجمة باسمها، منسوب إليها، معروفة عند صنعة أهل الطب وهذه الملكة آخر ملوك اليونانيين إلى أن انقضى ملكهم ودثرت أيامهم، وامحت آثارهم، وزالت علومهم إلا ما بقي في أيدي حكمائهم، وقد كان لهذه الملكة خبر ظريف في موتها وقتلها لنفسها، وقد كان لها زوج يقال له أنطونيوس مشارك لها في ملك مقدونية، وهي بلاد مصر من الاسكندرية وغيرها، فسار إليهم الثاني من ملوك الروم، من بلاد رومية، وهو أغسمطس، وهو أول من سمي قيصر وإليه تنسب القياصرة بعده، وسنذكر خبره في باب ملوك الروم بعد هذ الموضع، وكانت له حروب بالشام ومصر مع قلبطرة الملكة ومع زوجها أنطونيوس، إلى أن قتله، ولم يكن لقلبطرة في دفع أغسطس ملك الروم عن ملك مصر حيلة، وأراد أغسطس إعمال الحيلة فيها لعلمه بحكمتها. وليتعلم منها إذ كانت بقية الحكماء اليونانيين، ثم بعدها يقتلها، فراسلها. وعلمت مراده فيها وما قد وترها به من قتل زوجها وجنودها، فطلبت الحية التي تكون بين الحجاز ومصر والشام وهي نوع من الحيات: تراعي الإنسان، حتى إذا تمكنت من النظر إلى عضو من أعضائه قفزت أذرعا كثيرة كالرمح فلم تخطىء ذلك العضو بعينه، حتى تتفل عليه سما فتأتي عليه، ولا يعلم بها، لخموده من فوره، ويتوهم الناس أنه قدمات فجأة حتف أنفه، ورأيت نوعا من هذه الحيات بين بلاد خوزستان من كور الأهواز لمن أراد بلاد فارس من البصرة، وهوالموضع المعروف بخان مردوية بين مدينة دورق وبلاد الباسيان والفندم في الماء، وهي حيات شبرية، وتدعى هنالك الفترية، ذات رأسين تكون في الرمل وفي جوف تراب الأرض، فإذأ أحست بالإنسان أو غيره من الحيوان وثبت من موضعها أذرعا كثيرة فضربت بإحدى رأسيها إلى أي موضع من ذلك الحيوان، فتلحقه من ساعته ضد الحياة وعدمها لحينه، فبعثت قلبطرة هذه الملكة فاحتمل لها حية من هذه المقدم ذكرها التي توجد بأطراف الحجاز، فلما أن كان اليوم الذي علمت أن أغسطس يدخل قصر ملكها أمرت بعض جواريها ومن أحبت فناءها قلبلها، وأن لا يلحقها العذاب بعدها، فسمتها في إنائها فخمدت من فورها، ثم جلست قلبطرة الملكة على سرير ملكها، ووضعت تاجها على رأسها، وعليها ثيابها وزينة ملكها، وجعلت أنواع الرياجن والزهر والفاكهة والطيب وما يجتمع بمصر من عجائب الرياحين وغيرها مما ذكرنا، مبسوطة في مجلسها وقدام سريرها، وعهدت بما أحتاجت إليه من أمورها، وفرقت حشمها من حولها، فاشتغلوا بأنفسهم عن ملكتهم، لما قد غشيهم من عدوهم ودخوله عليهم في دارملكهم، وأدنت يدها من الإناء الزجاج الذي كانت فيه الحية، فقربت يدها من فيه فتفلت عليها الحية، فجفت مكانها، وانسابت الحية وخرجت من الإناء لم تجد جحرا ولا مذهبا تذهب فيه لإتقان تلك المجالس بالرخام والمرمرو الأصباغ، فدخلت في تلك الرياحين، ودخل أغسطس حتى انتهى إلى لمجلس، فنظر إليها جالسة والتاج على رأسها، فلم يشك في أنها تنطق، فدنا منها فتبين له أنها ميتة، وأعجب بتلك الرياحين، فمد يده إلى كل نوع منها يلمسه ويتبينه ويعجب خواص من معه به، ولم يدرسبب موتها وهو يتأسف على ما فاته منها فبينما هو كذلك من تناول تلك الرياحين وشمها إذ قفزت عليه تلك الحية فرمته بسمها، فيبس شقه الأيمن من ساعته، وذهب بصره الأيمن وسمعه، فتعجب من فعلها وقتلها لنفسها وإيثارها للموت على الحياة مع الذل، ثم ما كادته به من إلقاء الحية بين الرياحين، فقال في ذلك شعرا بالرومية يذكر حاله وما نزل به وقصتها، وأقام بعد ما نزل به ما ذكرنا يوما وهلك، ولولا أن الحية كانت قد أفرغت سمها على الجارية ثم على قلبطرة الملكة لكان أغسطس قد هلك من ساعته، ولم تمهله هذه المدة، وهذا الشعر معروف عند الروم إلى هذه الغاية يذكرونه في نوحهم ويرثون به ملوكهم وموتاهم، وربما ذكروه في أغانيهم، وهو متعالم معروف عندهم، وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا سير هؤلاء الملوك وأخبارهم وحروبهم وطوافهم البلاد ، وأخبار حكمائهم، وما أحدثوه من الآراء والنحل، ومقائل فلاسفتهم، وغير ذلك من أسرارهم وعجيب أخبارهم.
عدد ملوك اليونانيين ومدة حكمهم
পৃষ্ঠা ১৩৬