মুখতারাত মিন কিসাস কাসিরা
مختارات من القصص القصيرة
জনগুলি
تطلعت الفتاة إلى وجهه القوي الهادئ، وأدركت يقنيا أن ما تلفظ به واقع لا محالة، وأن مقاومتها لروحها النبيلة قد تلاشت من داخلها إلى الأبد.
استطرد الغريب: «والآن، فلتصحبيني إلى الباب. إن لحظات الوداع ليست سوى أحزان لا داعي لها. دعيني أغادر في هدوء. وأغلقي الباب برفق من خلفي.»
ظنت أنه قد يدير وجهه مجددا ناظرا إليها، لكنها لم تلمح منه سوى الجزء المستدير العجيب من ظهره البارز من تحت معطفه المغلق بإحكام قبل أن يتلاشى طيفه مع تكاثف الضباب.
فأغلقت الباب برفق.
مزحة الفيلسوف
عن نفسي أنا لا أصدق هذه القصة. لدى ستة أشخاص قناعة بصحتها، ولديهم كذلك أمل بإقناع أنفسهم بأنها كانت مجرد هلوسة. لكن ثمة مشكلة واحدة تعترض سبيلهم، وهي أنهم ستة أشخاص. وكل فرد منهم يدرك بوضوح استحالة أن يكون ما حدث هلوسة. ولسوء الحظ، هم أصدقاء مقربون، ولا يمكن لبعضهم تجنب البعض؛ وعندما يلتقون وينظر كل منهم في أعين الآخرين تتجسد تلك الواقعة مجددا في أذهانهم.
كان من حكى لي القصة، ثم تمنى فور انتهائه من سردها لو لم يكن قد أفصح عنها، هو آرمتيدج. ففي إحدى الليالي، عندما كنت أنا وهو الجالسين الوحيدين في غرفة التدخين بالنادي، أخبرني بما حدث. وقد كان سرده لي عفو الخاطر، حسبما أوضح لي لاحقا. كان الموقف يلح على ذهنه طوال ذلك اليوم بإصرار غريب؛ وبينما كنت أدخل الغرفة خطر له أن عقلا بليدا مثل عقلي - دون أن يقصد إهانتي بتلك الكلمات طبعا - من المؤكد أن ينظر إلى تلك المسألة بتشكك هزلي، ما قد يساعد على توجيه انتباهه نحو الجانب غير المعقول منها. وأظن أنني فعلت ما أراده. إذ شكرني عندما رفضت تصديق القصة برمتها واعتبرتها وهما وليد عقل مشوش، ورجاني ألا أجيء على ذكر تلك المسألة لأي كائن كان. وعدته بذلك؛ وربما يجدر بي هنا التنبيه على أنني لا أعتبر القصة التي سأشرع في سردها الآن ذكرا لتلك المسألة. فاسم الرجل الحقيقي ليس آرمتيدج، بل إن اسمه الحقيقي لا يبدأ حتى بحرف الألف. وقد تقرأ هذه القصة ثم تتناول العشاء بجوار ذلك الرجل في الأمسية نفسها، ولن تعرف مطلقا أنه هو من ورد ذكره بالقصة.
وبالتأكيد لم أظن أن وعدي له يمنعني من التحدث عن المسألة، بحذر شديد، مع السيدة آرمتيدج، وهي امرأة في غاية اللطف. وقد انفجرت في البكاء ما إن تلفظت بأولى كلماتي حول الموضوع . ولم تهدأ إلا بعد جهد جهيد مني. ثم قالت إنها يمكن أن تشعر بالراحة عندما تعزف عن التفكير في هذا الأمر. وأضافت أنها هي وآرمتيدج لا يتحدثان عنه قط فيما بينهما؛ وكانت ترى أنهما لو تركا لحالهما، فربما تمكنا أخيرا من تجاوز هذه الذكرى برمتها. تمنت أيضا لو لم يكونا مقربين إلى هذه الدرجة من السيد إيفريت وزوجته. كان قد راود هذين الزوجين الحلم نفسه الذي حلمت به هي وزوجها؛ على افتراض أن ما حدث كان حلما. فالسيد إيفريت ليس من نوعية الرجال الذين ربما يجدر برجل دين، مثل السيد آرمتيدج، مصادقتهم؛ لكن آرمتيدج لا ينفك يحاجج بأنه من غير المنطقي أن يكون معلما للقيم المسيحية ثم ينهي صداقته مع رجل لا لسبب سوى أنه آثم نوعا ما. بل كان يفضل أن يحافظ على صداقته ويسعى لفرض تأثيره الحسن عليه. كانا يتناولان العشاء مع آل إيفريت بانتظام في أيام الثلاثاء، وبينما كانا يجلسان قبالتهما بدا من المستحيل قبول حقيقة أنهم الأربعة قد وقعوا جميعا، في الوقت نفسه وبالطريقة نفسها، فريسة لنفس الوهم. أظن أنني نجحت في بث قدر من الأمل في نفسها قبل أن أغادر. فقد أقرت بأن القصة تبدو بالفعل سخيفة من منظور المنطق السليم، وهددتني بأن لسانها لن يخاطب لساني مجددا إذا نبست ببنت شفة عن تلك المسألة أمام أي شخص. إنها امرأة لطيفة حقا، كما ذكرت قبلا.
وتشاء الصدفة العجيبة أن أكون في هذا الوقت أحد المديرين في شركة يملكها إيفريت، والتي كان قد رشحها لتوه للاستحواذ على تجارة ساحل البحر الأحمر وتطويرها. لذا تناولت معه هو وزوجته طعام الغداء يوم الأحد التالي للقائي بالسيدة آرمتيدج. إن حديثه ممتع، وانتابني فضول لمعرفة كيف سيبرر رجل حصيف للغاية مثله صلته بهذا الوهم المجنون، البالغ الاستحالة الذي حكي لي، ما دفعني إلى التلميح بمعرفتي بالقصة. وفجأة تغير سلوكه هو وزوجته. وأرادا معرفة من أخبرني بالأمر. لكني رفضت الإفصاح عن تلك المعلومة؛ لأنه بدا من الجلي أنهما كانا سيغضبان من ذاك الشخص. كان لدى إيفريت نظرية مفادها أن ما حدث كان حلما راود واحدا منهم، كاملفورد على الأرجح، وقد أوحى إلى بقيتهم أنهم رأوا الحلم نفسه عبر الإيحاء التنويمي. وأضاف أنه كان ليهزأ منذ البداية من الرأي القائل بأن ما حدث لم يكن حلما لولا حدث واحد تافه. لكنه رفض أن يخبرني ما هو. إذ إن هدفه، حسبما أوضح لي، هو محاولة نسيان الأمر، لا الاستغراق في التفكير فيه. ثم نصحني، بصفته صديقا لي، ألا أثرثر كثيرا حول هذه المسألة؛ لكيلا أواجه أي مشكلات فيما يتعلق بما أتلقاه من أتعاب نظير عملي في شركته. كان إيفريت يستخدم أحيانا أسلوبا فظا في توضيح الأمور.
وفي منزل آل إيفريت قابلت، فيما بعد، السيدة كاملفورد، وهي واحدة من أجمل من رأيت في حياتي من النساء. غير أنني ارتكبت يومها حماقة نابعة من ضعف ذاكراتي فيما يتعلق بالأسماء. فقد نسيت أن السيد كاملفورد وزوجته كانا الطرف الثالث فيما وقع من أحداث، وذكرت القصة زاعما أنها حكاية غريبة قرأتها منذ سنوات بعيدة في مجموعة قصصية قديمة. كنت آمل أن تكون فاتحة نقاش بيننا عن الصداقة البريئة. لكن السيدة كاملفورد هبت واقفة ونظرت لي في غضب. عندئذ تذكرت، وتمنيت لو أنني لم أقل شيئا مما قلته. أخذت وقتا طويلا كي أصالحها، وسامحتني أخيرا بعدما قبلت اعتبار ما قلته غلطة نابعة من غبائي ليس إلا. كانت هي مقتنعة تماما، كما قالت لي، بأن الأمر كله محض خيال. ولم يكن يساورها أي شك في ذلك إلا عندما تكون في صحبة باقي الأطراف. كانت ترى أنه إذا اتفق الجميع على تجنب ذكر هذا الأمر مجددا، فسوف يتبدد كليا بنسيانهم له. افترضت السيدة كاملفورد أن زوجها هو من أخبرني بالأمر؛ فطالما كان يرتكب مثل هذه الحماقات. لكن قولها ذلك لم يكن نابعا من قسوة. إذ قالت إنه في بداية زواجهما، قبل عشر سنوات، لم يكن يضايقها أحد مثله؛ لكنها صادفت العديد من الرجال الآخرين منذ ذلك الحين، وقد جعلها ذلك تعيد النظر إليه بعين الاحترام. وأنا أحب أن أسمع امرأة تثني على زوجها. وأرى أنه أمر غير معتاد ينبغي، في رأيي، التشجيع عليه أكثر. أكدت لها أن كاملفورد ليس المذنب هنا؛ وبعدما وعدتني بأن تسمح لي بزيارتها، لكن ليس كثيرا، في أيام الخميس، وافقتها على أن التصرف الأمثل هو صرف المسألة برمتها من ذهني والانشغال بدلا من ذلك بالأمور التي تخصني.
অজানা পৃষ্ঠা