السعود رحمه الله تعالى ، ورأى أحتياج الفقراء إلى الارتفاق بالماء ، فعلم هناك بئرا . ولما شرع في حفرها ، اتفق قتل الفارس اقطاي وتوجه السلطان إلى الشام . فحضر شخص جندى ، وكمل عمارة البئر . وحصل بين الجندي والفقراء كلام ، وانزعجت خواطرهم منه . واتصل الخبر بالسلطان ، فتذكر القضية ، وطلب الغريم ، وطلب الجندي الشرع . وكتب قصة بدار العدل كتبت بالإشارة الأتابكية إلى السلطان مضمونها طلب الخصم الشرع. فرسم للاتابك بأن يأخذ قاضي القضاة ، ويحضر إلى دار العدل ، والأربع الأئمة . وخرج السلطان ، وجلس بدار العدل ، فأمر ونهى إلى أن حضر الخصم . فقال الأتابك للسلطان : مولانا يقوم معه إلى الشرع . فقام وكل سيفه من وسطه ، وأعطاه لبعض السلحدارية ، وتساوى مع خصمه بين يدى قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز . ولما وقف السلطان مع غريمه أمرهما القاضي بالجلوس معا ، فجلسا . وشرح السلطان الحال ، وتكلم الخصم ، وحصل التجاذب في المحاكمة . فثبت الحق للسلطان ، وحكم الأئمة بأن البئر له ، وأن بعض البناء والعدة للخصم . فالتزم له السلطان بقيمة ما ثبت له . ووقف ذلك لله تعالى ، ورسم أن تعين له أوقاف تقوم بكلفته وخلع على الأتابك نائب دار العدل ومتوليها ، وعلى قاضي القضاة ، وعلى غلامه الذي حضر بسبب المحاكمة ، وعلى الخصم . وتسامع الناس بذلك ، فصار الأمير ينصف المأمور ، والشريف ينصف المشروف . وخاف كل أحد من العدوان ، وصار التناصف ظاهر الإعلان . وهذه سياسة حسنة ، ومكرمة جميلة يجب على الملوك التخلق بمثلها والاقتداء بفعلها .
পৃষ্ঠা ১৫